كثرت التحليلات والتأويلات حول تلبية المرشح الرئاسي سليمان فرنجية لدعوة سفير المملكة العربية السعودية الى منزله في اليرزة لتناول الفطور، سيّما وأنّ كلّ طرف من أطراف اللعبة المحليّة ألبسها اللباس الذي يتواءم مع موقفه الداعم أو الرافض لوصول فرنجية الى سدّة الرئاسة في قصر بعبدا.
موضوعيًّا وبعيدًا عن محاباة هذا وذاك من القوى السياسية، لا شكّ أنّ استقبال السفير السعودي لفرنجية في منزله دلالة على الرضا والتقدير، وهذا في عرف أهل الجزيرة العربية توقيرٌ وإجلال ونصيبٌ موفور من حسن الظن.
والحال، فاللقاء بلغ الغاية مجرد اسدال السفير البخاري الستارة على الفيتو والذهاب الى حركة جادّة على المسرح، عنوانها ترويض الأحصنة الجامحة والاستئصال التدريجي للمكابرة من بعض أصدقاء المملكة بالرضا واللين والأناة.
إذ لم تستوعب القوى المناوئة لفرنجية عمق التحولات في المنطقة، ولا زالت تحت تأثير الصدمة التي أحدثها زلزال الرياض – طهران، واستفزها عودة العرب الى سوريا من البوابة السعودية وراحت تمضغ مرارة الخيارات الخائبة وضبابية المآلات المنتظرة، وتستذكر التجارب وتقلبات الإقليم وتداعياته على البلد الصغير عندما تتعانق مصالح الكبار …
وكي لا يقال قضي الأمر الذي فيه يُستفتى بصورة قطعية، فإنّ مرجعًا سياسيًا كبيرًا رأى في هذا السياق أتّ: اللا فيتو السعودي على فرنجية في الوقت الذي حرَّر المترددين والخائفين من القوى السياسية ساق معه نفسًا ايجابيًا عامًا لا يمكن إخفاء آثاره أو التقليل من مفصليته عقب (ترويقة البخاري)، وخلاف ذلك بالمعنى العملي أميّة سياسية وتجاهل في غير مكانه ونرجسية مغلفة بالعماه.
وذهب المصدر أبعد من ذلك للقول: انّ البحث راهنًا تجاوز قضية الرئاسة التي صارت ملامحها جليًة الى حد كبير كي لا يقال بحكم الأمر النافذ بالمطلق حرصًا على سلامة البحث وموضوعيته، والمباحثات تدور حول حجم الحكومة وشكلها وبيانها الوزاري، وهنا القضية المركزية بالنسبة للسعوديين الذين يعوّلون كثيرًا على الأداء الحكومي المضبوط بآليات دستورية صارمة غير خاضعة للاجتهاد مع مراعاة التركيبة اللبنانية ومندرجات الطائف.
أما الذين سيخرجون عن المسارات التي ثبتت والتي سيجري تثبيت مفاعيلها عقب القمة العربية فإن سنابك خيل التسوية ستترك دمغتها على موقعيتهم السياسية خسرانًا وخروجًا من مضمار السياسة، وهم بذلك أقرب الى الجثة السياسية!! .
ويجري التداول بفكرة العودة الى تجربة سليمان فرنجية الجد مع الرئيس صائب سلام وحكومة الشباب التي ضمت نخبًا شبابية من خارج التركيبة السياسية القائمة وقتذاك، وشكلت نقلة نوعية في الحياة السياسية اللبنانية أجهضتها الدولة العميقة لاحقًا. فهل يعيد التاريخ نفسه بالصيغة عينها بين البيتين السياسيين فرنجية وسلام عبر تمام بك الابن وسليمان بك الحفيد.
يبدو أنّ هذه الصيغة وتركيبة الحكم القادمة حسب المعلومات المتوفرة ستستوحي وتستأنس تلك الحقبة التي ترضي القوى الإقليمية، بيد أنّ قوى الداخل المتمرسون بالسياسة اللبنانية فالواقعية والحكمة والمصالح ستدفع غالبيتهم من المعترضين الى ولوج التسوية ومعها جنة الحكم علة الوجود والاستمرارية، اما المتمترسون خلف وهم الاعتراض والشعبوية الخاوية سيرددون في سرهم مقولة “يأكلون التمر ونُرجم بالنَّوى”.