الدولة اليهودية زائلة حتماً

انتهت الجولة الأخيرة من العدوان على قطاع غزة ليلة الأول من أمس، بعد ما أبرمت فصائل المقاومة اتفاقاً لوقف إطلاق النار مع الدولة اليهودية الزائلة بوساطة مصرية وبضغطٍ أميركيّ لإنهاء المعركة التي لم تسفر عن أي تغيّر في مسار الصراع لصالح اليهود ولا حتى أضرّت بوضع المقاومة من الناحية الاستراتيجية والعمليّاتية.

قام سلاح الجوّ في الدولة اليهودية الزائلة باغتيال ثلاثة من قادة “سرايا القدس”، الذراع العسكرية لحركة “الجهاد الإسلامي”، فجر الثلاثاء الماضي، على خلفية إطلاق صواريخ من قطاع غزّة رداً على اعتقال واغتيال الشيخ خضر عدنان، القيادي في “الجهاد”. تمهّلت المقاومة في ردّها، ليظنّ العدوّ أنها مرتبكة بعد اغتيال قيادييها، لكن قبل أن تنتهي الدولة اليهودية الزائلة من إخراج مستوطنيها من مستوطنات الغلاف، كانت المقاومة قد بدأت بإطلاق الصواريخ نحو مستوطنات الغلاف حتى بلغت صليات الصواريخ “تل أبيب”.

خلال الأيام الخمسة لعدوان الكيان الزائل على القطاع، قام الوسيط المصري بمحاولاتٍ عدة لوقف إطلاق النار، لكن المقاومة كانت قد وضعت شروطاً للتهدئة أبرزها:

  • وقف سياسة الاغتيالات في الضفة الغربية والقطاع.
  • إلغاء مسيرة الأعلام المقرّرة يوم الخميس المقبل.
  • الإفراج عن جثة الشهيد خضر عدنان.

رفض العدو شروط المقاومة، واستمر العدوان حتى ليلة السبت الماضي، قابله إطلاق وابل من الصواريخ بلغ أكثر من 1500 صاروخ، وقد فعلت صواريخ المقاومة صفّارات الإنذار خلال العملية 776 مرة منها 43 في سديروت، كما أعلنت المقاومة بعد ساعات من انتهاء الجولة تشغيل مصانع الصواريخ لإعادة ما تم استنفاذه خلال معركة “ثأر الأحرار”. أنهى “الجهاد” هذه العملية بتحقيق إنجازات على مستوى الردع من حيث إدخال مستوطنات عدّة في مدى صواريخه، وتعهده بعدم ترك سلاحه استعداداً للجولة المقبلة.

لم تكن “ثأر الأحرار” كغيرها من المعارك وجولات التصعيد المتلاحقة ضد غزة على مدار السنوات الفائتة، فقد استفادت منها المقاومة من حيث التكتيك في إدارة المعركة والأداء في الميدان وتوزيع المهام بين القوى المنضوية في “الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة”، حسب ما أكده خبراء وقيادات بارزة في حركتي المقاومة “حماس” و”الجهاد”، أكبر فصيلين في الغرفة. ومنحت السياسة التي انتهجتها المقاومة وامتصاصها صدمة “الضربة الغادرة” باغتيال قادة وازنين، تأييداً شعبيّاً واسعاً ظهر في تفاعل الغزاويين مع عملياتها في إطار الرد على جرائم الدولة اليهودية الزائلة.

في المقابل، وافقت الدولة اليهودية الزائلة على وقف إطلاق النار، حين أدركت أن هدف المقاومة بعد إصابة المبنى في مستوطنة “روحوبوت” ومقتل مستوطنة، هو إطالة مدة العملية حتى يوم مسيرة الأعلام، من خلال الحفاظ على إطلاق الصواريخ، من دون خطر تفعيل النيران المضادة للدروع أو شنّ هجمات على السياج. سبب آخر دفع الكيان الزائل إلى السعي من أجل إنهاء العدوان على القطاع، هو الضغط الأميركي الذي أصبح أكبر خلال نهاية الأسبوع وخاصة يوم السبت. في غضون ذلك، أكّد وزير خارجية الدولة اليهودية الزائلة إيلي كوهين في مقابلة مع إذاعة جيش العدو أن مسيرة الأعلام ستسير على النمط المقرّر لها من دون أي تغيير في المسار أو المخطط.

طوال العملية الماضية، حرص جيش الدولة اليهودية الزائلة على تحييد “حماس” عن المعركة وذلك خوفاً من تصعيد لا قدرة لها على مجابهته، مؤكّدةً أن الذي يطلق الصواريخ هو “الجهاد الإسلامي” وفصائل فلسطينية صغيرة. وغاب عن بيانات جيش العدوّ البند التقليدي الذي يحمّل “حماس” مسؤولية ما يجري في القطاع لأنه تحت سيطرتها.

لقد تمكّنت المقاومة في هذه الجولة من وضع ما يقارب المليون مستوطن في الملاجئ طوال فترة الجولة، وشلّت الحياة في مختلف الأراضي المحتلّة، إضافةً إلى تمكّنها من القتال حتى اللحظة الأخيرة من دون انكسار أو تراجع، حيث استمر إطلاق الصواريخ إلى ما بعد إعلان التهدئة بساعات. هذا النجاح من جانب المقاومة في وصول نحو 75% من صواريخها إلى وجهتها داخل عمق الدولة اليهودية الزائلة أثّر سلباً على معنويات جبهته الداخلية وكبّد العدو خسائر فادحة، وفي الوقت نفسه رفع الروح المعنوية للفلسطينيين، لما حمله من إشارات مهمة على صعيد تطور القدرات العسكرية للمقاومة.

على الرغم من أن المنظمة الصغيرة “الجهاد” تعمل داخل قطاع ضيق ومكتظّ بالسكان وتمتلك قدرات عسكرية محدودة مقارنةً بما تمتلكه حركة “حماس” أو حزب الله في لبنان، نجحت بدفع آلاف المستوطنين الإسرائيليين، على طول الحدود مع غزة، إلى الفرار من منازلهم وأرسلت آلافاً آخرين إلى الملاجئ، مما أدى إلى بث الخوف وتعطيل جميع جوانب الحياة اليومية.

نستطيع أن نستنتج مما جرى في معركة “ثأر الأحرار” أن:

  • الدولة اليهودية الزائلة في مأزقٍ كبير، يمسّ قدرتها على ردع المقاومة على جميع الجبهات.
  • تصاعد قوّة فصائل المقاومة وجهوزيتها على الرغم من تصفية قادتها البارزين.
  • في المواجهة المقبلة مع “حماس” أو حزب الله، ستجد الدولة اليهودية نفسها أمام أعداد مضاعفة من الصواريخ مما سيحدّ من قدرة القبّة الحديدية على ردع النيران.
  • التأكيد على وحدة الساحات من خلال عمل الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة، وخطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حيث أكّد على عدم التردّد في التدخّل في حال استدعى الوضع ذلك.
  • فشل محاولة نتنياهو تصدير الأزمة الداخلية من خلال فتح جبهة غزّة.
  • حتمية زوال الدولة اليهودية، إمّا من خلال تآكلها داخلياً أو استنزافها على المدى الطويل من قبل حالة المقاومة المتصاعدة على جميع الجبهات.