تنتج القوى المناقبية التي تعمل في المجتمع كي تؤمّن سلامته، الحقوق الأهلية التي يوجد فيها المجتمع ودينه وعاداته، ولا توجد فيها الدولة بطبيعة الحال، لأن تواجد الدولة يحتاج إلى مجتمع يسود فيه الإخضاع والترهيب، ولا يمكن تعيين حدود حقيقية فاصلة بين طور من أطوار الثقافة الاجتماعية، فإذا عدنا إلى أوائل عهد الدولة، وتوغلنا كثيراً في الماضي، لنبلغ نقطة التقاء السياسة بالاجتماع، نجد نقطة الاتصال بين الدولة والمجتمع في الطوطمية، لدى الشعوب التي لا تزال قيد الفطرة بالنسبة إلى الشعوب الثقافية.
تظهر نُظم الدولة العشائرية، والتي لا يكون جزءاً منها إلا من كان ابن العشيرة الداخلة في هذا النظام، عندما تتقارب الطواطم بعضها من بعض، وتتحد عشائرها في الزواج، وينشأ الطواطم المكاني الذي يجمع الكل في متحد اجتماعي، وينقسم إلى طواطم فرعية، لكن هذا التقارب لا يمكن أن يدل على واقع الدولة، لأن العشائر تجتمع دون أي تنظيم في أحوالها باستثناء الوسائل المناقبية، وهي العادة والعرف والتسليم للأوهام، التي لا يتم الخروج منها، بسبب تساوي النظر في الحياة ونقص الاستقلال النفسي في هذه الجماعات، ومع الاستئثار بالمرأة والبطولة في المعارك والإقدام في الصيد، نتجت ظواهر اجتماعية جديدة، مثل قيام رأس أو شيخ على العشيرة، وقضى الشيخ الذي أصبح فوق درجة الطوطمية، على ما كان باقياً من دستور وقوانين الطوطم، وأنشأ المملكة الخاصة أو الإمارة، وأسس سلطه عليها، وأصبحنا نجد صورة الدولة في ما يمكن أن نسميه سلطة، أو أداة تنفيذيةً.
تقوم كل الدول على ثلاث سلطات، تشريعية وتنفيذية وقضائية، كما تقوم على ثلاثة أصناف سياسية، الجنس والسن والشخصية، ومع تقدم العمران، أُضيف إليها صنف رابع هو صنف العبيد.
بما أن القوة التي تتم بها السلطة هي أهم عناصر الدولة، قام الجنس الأقوى أي الرجل بأمر الدولة واستأثر بها، ولم تشترك المرأة في الحياة السياسية، ولم يكون لها أي نفوذ، رغم أنه كان لها كل الحرية في تصرفها في عهد الزواج الإجماعي، والعبيد لم يكن لهم أي شأن في الحياة السياسية، باستثناء المشاكل الناشئة عن وجودهم وكثرتهم، وكان للسن التأثير الأكبر، وهو الصنف الأهم، وحيث الحياة تجري بالاختبار المباشر، يكون للسن أهمية فاصلة في البت في شؤون المجتمع السياسية، بينما نجد أن أهميته تتراجع من حياة المجتمع السياسية، حين ترتقي الشعوب في حياة الاختبار مداورة وتتشعب العلوم وتتراكم موادها بفضل الأبجدية، وفي درجة أعلى من السن، تأتي الشخصية، وشخصية الفرد من الناحية النفسية لا وجود لها في الأقوام الآخذة بالفطرة، لإنّ الفوارق الشخصية فيها ليست معدومة، فالمواهب الطبيعيّة ليست عقلية فقط، بل هي فيزيائية أيضاً، وتفوّق بعض أفراد العشيرة أو القبيلة في حروبه وغزواته يكسبه شخصية بالنسبة إلى حالة عشيرته أو قبيلته الاجتماعية، وهكذا نجد وظائف الدولة تقابل بتشكيل الدولة من الشيخ أو الأمير وشيوخ القبيلة أو العشيرة واجتماع الشعب، وحيث يتسع نطاق الدولة يسقط اجتماع الشعب ويبقى الأمير والشيوخ، ولا يعني هذا التقسيم أنّ هنالك توزيعاً لوظائف الدولة يجعل السلطة التشريعية أو التنفيذية في الأمير أو مجلس الشيوخ على أن يكون كل منهما مرجعاً خاصاً لإحداهما وكذلك القضاء.