الدّولة اليهوديّة الزّائلة بين مقصلتي المقاومة والضغط الشعبي

الدّولة اليهوديّة الزّائلة بين مقصلتي المقاومة والضغط الشعبي

استُشهد الأسير خضر عدنان، يوم الثلاثاء الفائت، عن عمرٍ يناهز 44 عاماً بعدما خاض معركة إضراب عن الطعام استمرت 86 يوماً رفضاً لاعتقاله، إذ احتجز على مدار الفترة الماضية في زنزانة ضيقة في عيادة سجن الرملة.

معركة الأمعاء الخاوية خاضها عدنان غير آبهٍ بغطرسة الاحتلال، داعياً أبناء شعبه “ألّا ييأسوا مهما فعل المحتلّون وتطاولوا في احتلالهم وظلمهم”، وكانت زوجته تنتقل خلالها من محافظة إلى أخرى، ومن فعالية إلى لقاء، ومن إذاعة إلى تلفزة أو أي وسيلة إعلام، لتسلط الضوء على معاناة زوجها وتنقل إلى الرأي العام تطورات إضرابه.

شرع عدنان في إضرابه منذ اللحظة الأولى لاعتقاله في 5 شباط الماضي، عندما دهمت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزله في مخيم جنين. لم تكن المرة الأولى التي يُعتقل فيها عدنان، حيث في ما يقارب التسع سنوات اعتُقل الشهيد 12 مرة، غالبيتها بأوامر اعتقال إداري، إلى جانب معاناته من الاعتقال السياسي لدى أجهزة السلطة. خاض خضر عدنان بإرادة قوية الإضراب تلو الآخر لينتزع حريته ويوصل رسالة: “لا تقبل الجدل للمحتل، لن نسلم بقراراتك الفاشية، وسننتزع حريتنا مهما كانت التضحيات”.

المقاومة تقصف مستوطنات الغلاف
كانت فصائل المقاومة الفلسطينية في غزّة قد توعّدت الدولة اليهودية الزائلة بالردّ في حال استشهاد عدنان، وعقب الإعلان عن استشهاده قامت المقاومة بإطلاق 22 قذيفةً صاروخية بحسب ما أفاد جيش الدولة اليهودية الزائلة. اللافت في الأمر أن القبة الحديدية لم تستطع اعتراض سوى أربعة صواريخ منها، مما دفع بالأجهزة الأمنية وجيش العدو للإعلان عن أن منظومة القبة الحديدية أصابها خللًا فنيًا خلال إطلاق الصواريخ من غزة يوم الثلاثاء الماضي. وبحسب التحقيق الأولي لجيش الكيان الزائل، فإن هذا الخلل ظهر في ساعات الظهر ما تسبب بسقوط صواريخ في سديروت ووقوع إصابات.

وأعلنت “غرفة العمليات المشتركة” لفصائل المقاومة في غزة مسؤوليتها عن “دك مغتصبات غلاف غزة برشقاتٍ صاروخية، كرد أولي على جريمة اغتيال الشيخ خضر عدنان”، مؤكدةً أن هذه الجريمة النكراء “ستفجر ردودًا من أبناء شعبنا في الساحات وأماكن الاشتباك كافة”. وقالت الغرفة المشتركة في بيانها الصحافي: “سنبقى الأوفياء لدماء شهدائنا وتضحيات أسرانا، وستبقى قضيتهم على رأس أولويات قيادة المقاومة في كل الظروف”.

ومع انتهاء جولة القتال الأخيرة، ثبّتت فصائل المقاومة في فلسطين حقّها في الدفاع عن الأسرى، مؤكّدةً على وحدة الفصائل من خلال الردّ الموحّد، وأنها لن تسمح باستفراد العدو والتعاطي معها بالـ”مفرّق”. أمّا على الجهة الأخرى، فأكّدت هذه الجولة على تآكل قوّة الردع لدى الدولة اليهودية الزائلة، في ظلّ حرص حكومة العدوّ على عدم الانجرار إلى حرب طويلة الأمد قد تضع بنيامين نتنياهو في حالة حرج داخلياً وخارجياً.

نتنياهو بين مقصلتي الردع والضغط
نجحت المقاومة أيضاً في وضع حكومة العدوّ تحت ضغط سياسي واجتماعي كبير، وقد ظهر ذلك جليّاً من خلال تصريحات أعضاء في الكنيست وقادة أركان سابقين. إذ انتقد العديد من السياسيين وضباط الأركان الردّ الباهت على صواريخ غزّة، تغيبت كتلة “قوة يهودية” برئاسة وزير “الأمن القومي” ايتمار بن غفير، عن مقر الكنيست احتجاجاً وامتنعت عن التصويت. هذا الحدث دفع بنتنياهو الخاضع منذ أشهر لأهواء وزير أمنه بالتصريح قائلاً لبن غفير: “قدم استقالتك إذا كانت لديك الشجاعة”، ورد عليه بن غفير: “قم بإقالتي إذا كانت لديك الشجاعة”.

أحد التفسيرات المحتملة هو أن التركيز الحالي لجيش الاحتلال ينصبّ على الضفة الغربية، حيث أظهرت التقارير الأمنية مؤخراً أنه عاجلاً أم آجلاً، سيتعيّن على القوات أن تشنّ عملية كبيرة في شمال الضفّة تشبه عملية “السور الواقي” وذلك بسبب ازدياد عمليات المقاومة في الداخل والضفة.

كما يدرك نتنياهو أنه يفتقر إلى الدعم الدولي لهجوم عسكري كبير على غزة، وقد يتهمه معارضوه بالسعي إلى إضعاف الاحتجاجات المستمرة ضد التعديلات القضائية عبر فتح جبهة الحرب، وقد تشهد هذه المعركة رفض جنود الاحتياط للخدمة.

كل ما يجري على الساحة في فلسطين يؤكّد أن هذا الائتلاف هجين وأن نتنياهو في مأزقٍ سياسي عميق، فلا يوجد للأخير أي بديل في الكنيست عن وزرائه الغاضبين باستثناء تبكير موعد الانتخابات، التي سيهزم فيها بالتأكيد. وكانت استطلاعات الرأي الأخيرة قد أظهرت تراجعاً كبيراً للقوة البرلمانية لأحزاب الائتلاف الحالي برئاسة بنيامين نتنياهو، فيما تواصلت الدالّة التصاعدية لحزب “المعسكر الوطني” برئاسة بيني غانتس، عبر تفوقه بعدد المقاعد في الانتخابات في حال جرت اليوم، مع تصاعد فرص غانتس في تشكيل حكومة.

الضفة عنوان المعركة المقبلة
تجري قيادة المؤسسة الأمنية نقاشات تتعلق بإمكان تغيير السياسة العسكرية في الضفة الغربية، وصولاً إلى عملية عسكرية واسعة. في حين يؤيّد “الشاباك” الحملة على مدن شمال الضفة، لم يحسم وزير حرب الدولة اليهودية الزائلة، يوآف غالانت، موقفه النهائي بشأن كيفية ردع الفصائل في الضفّة.

تقف حكومة العدوّ أمام احتمالات عدّة، وهي:

  • الأول، استمرار الوضع القائم واعتقال المقاومين وتدمير البنية التحتية للمقاومة في الضفة، وهذا الأمر يترتب عليه معلومات استخباراتية دقيقة والشروع في عمليات سرّية تشبه تلك التي جرت الأسبوع الماضي في نابلس وأسفرت عن استشهاد ثلاثة مقاومين، كانوا قد نفّذوا عملية الأغوار التي قُتل فيها ثلاثة مستوطنات.
  • الثاني، تعزيز قوة السلطة الفلسطينية بالقدر الممكن من أجل فرض سلطتها في الضفّة وتقليص الحاجة “الإسرائيلية” إلى العمل داخل المدن، وهذا يتطلّب من العدوّ رصد ميزانية كبيرة لأجهزة أمن السلطة بالإضافة إلى ما يترتّب على ذلك من نقد شعبي ووطني للتنسيق الأمني الذي يضع الطرف الفلسطيني في موقع حرج كبير.
  • الثالث، حملة عسكرية كبيرة في الضفة للقضاء على فصائل المقاومة وتدمير البنية التحتية، تشبه في أسبابها ونتائجها حملة “السور الواقي” التي قام بها رئيس حكومة العدو حينذاك آرييل شارون، على خلفية عملية استشهادية نفّذها الاستشهادي البطل عبد الباسط عودة في فندق في نتانيا. وهذه العملية مستبعدة إذ تتطلّب دعماً سياسياً ودولياً، بالإضافة إلى قدرة المقاومة التي تضاعفت في العشرين سنة الأخيرة، والشرخ الحاصل على المستوى السياسي والشعبي في الدولة اليهودية الزائلة. كما أن الذين يؤيدون العملية العسكرية في الضفة الغربية يدركون أنها لن تُنهي بصورة قاطعة الهجمات، بالإضافة إلى أنها يمكن أن تكلّف ثمناً باهظاً