ما أن تفككت دول البلقان السابقة (الإسلامية) بالتزامن مع الانهيار السوفييتي وتحولت إلى المعسكر الأمريكي، وحظيت بتعاطف واسع من الرأي العام، الإسلاموي، وخاصة البوسنة وكوسوفو والهرسك، حتى قامت وعلى الفور بإقامة علاقات مع الكيان الصهيوني الذي تحول إلى مراكز لتدريب استخباراتها وأجهزتها وقواتها الجديدة (الحرة).
فقد جرى كل ذلك وسط صمت مطبق من جماعات الإخوان المسلمين وأمثالها، شأنها في ذلك شأن سكوتها وصمتها وعدم تعليقها على تطور العلاقات الصهيونية التركية، واعتراف أردوغان بأنه حتى في سنوات الديبلوماسية الباردة مع تل أبيب لم يتوقف التنسيق الاستخباراتي التركي – الصهيوني.
ولا تزال كذلك صورة راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإسلاموية في تونس، مع جورج سوروس وجماعات الايباك اليهودي عالقة في الأذهان، علما بأن سوروس هو أحد مهندسي الثورات الملونة التي لا تخفي علاقاتها مع المخابرات الأمريكية والبريطانية.
وها هي جمهوريات إسلاموية آسيوية أخرى، من الجمهوريات التي غادرت الاتحاد السوفييتي بعد انهياره تعلن عن تطوير علاقاتها الاقتصادية والاستخباراتية مع الكيان الصهيوني، وفي سياق غير بعيد عن المحاولات الأمريكية – الصهيونية لتطويق إيران بأوكار للموساد داخل هذه الجمهوريات مثل تركمانستان وأذربيجان، ناهيك بالمراكز العربية لما يعرف بالسلام الابراهيمي المتصهين.
كما نتذكر العلاقات الوثيقة لجماعات التكفير الأصولية الإجرامية مع الموساد الصهيوني خلال العشرية السوداء في سوريا، وكيف تحولت الجولان المحتلة من قبل العدو الصهيوني، إلى مستشفيات ميدانية وقاعدة ارتكاز تخريبية لهذه الجماعات، كما إلى ممرات (آمنة) أثناء هرب هذه الجماعات في السنوات الأخيرة على غرار الفضيحة المدوية لما يسمى بالخوذ البيضاء.
يشار كذلك فيما يخص المشهد العربي الأعم، إلى تطور العلاقات مع الكيان الصهيوني خلال حكومات إسلاموية في المغرب والسودان في كل عهوده الأخيرة، كما يشار إلى أن الإسلاموفوبيا لم يشمل كل الظواهر الإسلامية، بل تم توظيفه للتصويب على الظواهر المقاومة للمعسكر الأطلسي الصهيوني، وليس على الظواهر الإرهابية التي اخترعها هذا المعسكر، ودون ذلك تاريخ طويل، وخاصة مع الدوائر الأمريكية التي ورثت التقاليد المعروفة لعلاقة الجماعات الأصولية المذكورة مع المخابرات البريطانية وفق ما كتبه المؤرخ والكاتب البريطاني كورتيس في كتابه (تاريخ التآمر البريطاني مع الأصوليين).
كانت بداية العلاقة الأمريكية الإخوانية مع دالاس، صاحب الدعوة لإغراق الشرق الأوسط بالإحتقانات الطائفية والدين السياسي لمواجهة القوتين الجديدتين الصاعدتين مع نهاية الحرب الباردة: الاتحاد السوفييتي والقومية العربية كما كرستها الناصرية، وهي الدعوة التي انبثقت عنها ومنها مشاريع الأحلاف الاستعمارية والمؤتمرات الإسلامية بالإضافة لجماعة الإخوان.
وبحسب ستيفن دوريل في كتابه (المخابرات البريطانية داخل العالم الخفي)، فقد حلّت المخابرات الأمريكية محل الأولى في رعاية الإخوان وتعززت هذه العلاقة ضد جمال عبد الناصر في محطات عديدة منها:
- لقاء حسن البنا مع السكرتير الأول في السفارة الأمريكية، فيليب ايرلاند (من كتاب تحالف ضد الاتحاد السوفييتي، صفحة 372)
- ما كشفه ويلفرد كانتول في كتابه (الإسلام في التاريخ الحديث) عام 1957، عن تعاطف أمريكي مع الإخوان.
- محاضرات برنارد لويس 1963 تحت عنوان (الغرب والشرق الأوسط)، وفيها بحسب زياد أبو غنيمة (إخواني أردني سابق)، دفاع عن الإخوان وضد شيطنتهم (زياد أبو غنيمة، الإخوان في كتابات الغربيين، صفحات 128 – 130).
- بحسب كتاب (التهديد الإسلامي، أسطورة أم حقيقة) فقد شكّل الكونغرس 1985 لجنة خاصة برئاسة لي هاملتون لدراسة الحركات الإسلامية وعضوية اسبوزيتو – والسفير هيرمان فريدريك ايليتس، السفير في الشرق الأوسط خلال السنوات 1954 – 1979، (زياد أبو غنيمة، مرجع سابق)
وقد دعا اسبوزيتو للتعاون مع الحركات الإسلامية والاعتراف بها مؤكدا أن عداء الغرب لها خطأ ينبغي الرجوع عنه (أبو غنيمة، مرجع سابق، صفحات 58 – 59). - بعد الانهيار السوفييتي والخوف من الصحوة الروسية التي ترافقت مع استبدال موسكو للخطاب السوفييتي الاشتراكي السابق بخطاب اوراسي مركزه روسيا، أطلقت الدوائر الأمريكية فكرة الانبعاث العثماني والحزام الأخضر من الجمهوريات السوفييتية الإسلامية السابقة (مشروع لويس – بريجنسكي)، وربطت هذا الانبعاث بـ ربيع إسلامي يدفع الإخوان إلى واجهة السلطة، وعززت ذلك بانقلاب في قطر نتج عنه تأسيس منبر إعلامي (الجزيرة) وحنفية مالية لتمويل النشاط الإخواني، ومن ذلك:
- ما كتبه رايموند وليام (إسلام بلا خوف) الصادر عن جامعة هارفارد 2003، وذلك لتمكين الإسلاميين من الحكم مقابل ضمان المصالح الأمريكية وأمن إسرائيل (محمد ماهر الخطيب، حركة الإخوان، صفحات 119 – 120)
- ما قاله غراهام فولر، نائب رئيس مجلس الاستخبارات الأمريكية وأحد مهندسي استراتيجية مؤسسة راند في كتابه (مستقبل الإسلام السياسي) 2003، فهو متفائل بالقوة البعيدة المدى للتيار الإسلامي الذي يتحرك بثبات نحو هضم الديموقراطية، ويرى أن تركيا الإسلامية هي الحليف الأهم لواشنطن في الشرق الأوسط، متسلحة بموقعها الجيوبوليتيكي وعلاقتها بحركة الإخوان المسلمين.
- دعوة روبين رايت لتبني الإسلاميين (لقد حانت لحظة مشاركة الإسلاميين)، المصدر جريدة الاتحاد 13\9\2004
- كما اتهم ايليتس الإدارة الأمريكية بالبطء في فهم الظاهرة الإسلامية وطالبها بالتعاون مع هذه الظاهرة وتكليف السفارات الأمريكية في العواصم العربية والإسلامية بالانفتاح عليها ودعوة قادتها لإلقاء محاضرات في الجامعات والمؤسسات الأمريكية.
- تصريح بول وولفتز نائب وزير الدفاع الأمريكي حول الرهان الأمريكي على الإسلام الجديد (جريدة المرآة – عمّان – 10\7\2002)
- تصريح كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية عام 2003 بأن نظام مبارك ضعيف وأفضل بديل له هو جماعة الإخوان
- عقد مؤتمر في بروكسل 2006 برعاية المخابرات المركزية وحضور ممثلين عن الإخوان من أجل رسم استراتيجية أمريكية – إخوانية حول الشرق الأوسط، وقد صدر بعد ذلك بسنة واحدة وللغاية المذكورة عن مؤسسة راند تقرير تحت عنوان (بناء شبكات من الإسلام المعتدل)