يغارون.. أنت السبب أم هم؟

يغارون.. أنت السبب أم هم؟

من منّا لم يمرّ في حياته صديق أو صديقة غيورين لدرجة تسميتهم بالحسودين؟! من منّا لم يلاحظ تبخيس هؤلاء بالآخرين وحطّهم من شأنهم، وذكرهم لعيوب غيرهم وتضخيمهم لأخطائهم؟!
من منّا لم ينتظره أحد “على المفرق” من أجل أن ينال من معنويّاته ويقوم “بتصغيره” أمام محيطه؟!
من منّا لم توضع العصي في دواليب مشاريعه فقط كي لا يُقال أن فلان قد نجح؟! الغيرة مدمّرة، تدمّر العلاقات وتدمّر النجاحات، فكيف السبيل الى تشخيصها ودحضها من النفوس؟

الغيرة بصورة عامّة شعور طبيعي يختبره كلّ إنسان بحسب الظروف والاحتياجات والمشاعر. فيما الغيرة عند الأطفال تكاد تكون أمرًا فطريًا، لكنّ هذه الغيرة الطفوليّة قد تتحوّل فيما بعد إلى غيرة مرضيّة وحسد.
يعود التحكّم بتفاقم الغيرة إلى التربية والخبرات التي يكتسبها الإنسان من بيئته. فالغيرة المرضية هي عبارة عن شعور الفرد بعدم الرضى عمّا يملكه مقارنة بما يملك الآخرون، وعدم الاكتفاء أو الاقتناع به، إضافة إلى شعور الشخص بتهديد حقيقي لحياته الشخصية أو العاطفية أو المهنية، مما يسبب له أضرارًا نفسية وأحيانًا جسديّة، مثل الحزن أو الغضب أو جنون العظمة أو سلوك العنف الجسدي.
وتتجسد هذه الغيرة في سلوكيات منفّرة اجتماعيًا ومسبّبة لإنهاء العلاقات الاجتماعيّة. فتلاحظ أصحاب الغيرة المرضيّة غالبًا ما ينتقدون الآخرين ويشكّون بهم دون مبرّرات واضحة، ويبحثون عن أخطاء الآخرين وينتظرون الهفوات لإلقاء اللوم والإساءة اللفظية أو الجسديّة أحيانًا، كما تراهم دائمي الغضب والاستياء المصحوب بعدوانيّة غير مبرّرة تجاه بعض الأشخاص.

أمّا أهمّ الأسباب النفسيّة لتلك الغيرة تتجلّى في الآتي:

  • احتياجات في مرحلة الطفولة لم تتم تلبيتها: فالطفل الذي لم تتم تلبية احتياجاته وتعرّض لحرمان أهمّه الحرمان العاطفي، غالبًا ما يؤدي ذلك به إلى الشعور بالغيرة التي تستمر معه لمراحل النضوج وقد تتفاقم بحسب خبرات حياته إلى غيرة مرضيّة. فنتائج الحرمان العاطفي وعدم تغذية الاحتياجات العاطفيّة أثناء مرحلة الطفولة تظهر على شكل غيرة في مرحلة الرشد.
  • انعدام الثقة بالنفس وتقدير ذات منخفض: ففي معظم الأحيان يكون هذا نتيجة طفولة قاسية وتربية في بيئة (أو عائلة) غير صحيّة تمارس التعنيف أو التنمّر أو حتى المقارنة بين الطفل وإخوته أو أقاربه وأصحابه مع تفضيل الآخرين عليه.
    كلّ ذلك يولّد مستوى شعور قلق عال وعدم شعور بالأمان والخوف الدائم من الخسارة أو الاستبدال والاستغناء عنه. وذلك يفسّر غيرة الرجل نتيجة الخوف من خسارة منصب في وظيفة ما، كذلك غيرة النساء خوفًا من خسارة اهتمام رجل ما والاستغناء عنها. ويتولّد أحيانًا شعور الغيرة بشكل ما تجاه كلّ من يملك الأمان والاستقرار في حياته.
  • اختبار مواقف سلبية سابقة: فالتجارب السيئة قد تكون سببًا مهمًّا لتفاقم الغيرة المرضية لدى البعض. فالمرأة التي اختبرت الخيانة والانفصال أكثر عرضة لشعور الغيرة من المرأة ذات العلاقة المستقرة والآمنة مع الشريك. وقد تصبح المرأة المتعرضة للخيانة أكثر شكًا وعدوانية وغيرة حتى تجاه صديقاتها وتصل أحيانًا غيرتها حدّ فبركة عيوب بأشكال النساء الجميلات وتشويه صورتهنّ وكذلك سمعتهنّ.

مع كلّ ما ذُكر اعلاه، فإنّ الشفاء من الغيرة المرضيّة هو أمر ممكن ذاتيًا طالما أسبابه لم تكن اضطرابًا نفسيًا، حينها يحتاج الشخص للمساعدة على الصعيد النفسي لعلاج الأسباب النفسية المسببة للغيرة.

على صعيد آخر فإنّ الوعي لوجود شعور الغيرة وتحديد أسبابه هو اجتياز لنصف الطريق للتخلّص من هذا الشعور عن طريق العمل على الذات.

وتشمل خطوات التخلّص من هذا الشعور ما يلي:

  • تقدير الذات: من أهمّ خطوات التخلّص من الغيرة المرضيّة هو التّذكّر الدائم للانجازات والنجاحات التي قام بها الشخص رغمًا عن كل الصعوبات (يفضّل كتابتها على ورقة) وتذكّر النفس بالأشياء الّتي يتقنها بشكل جميل ومعاملة النفس كمعاملة أقرب صديق لها عن طريق التّعاطف والدعم الإيجابي (الحديث الإيجابي مع الذات) وعدم جلد الذات ولومها على العثرات، وتخصيص وقت للذات لفعل الأشياء التي تشعرها بالسعادة. كلّ ذلك يرفع من مستوى تقدير الذات والتغلّب على مشاعر الإحباط نتيجة مقارنة النفس بالآخرين.
  • تدريب النفس على الامتنان: من أهمّ الأساليب للتخلّص من شعور الغيرة هو تدريب الذات على الامتنان على جميع النعم في الحياة وتذكّر تلك النّعم. بالإضافة إلى البحث عن الروابط الجميلة في العلاقات والأشخاص وإيجابيات تلك العلاقات وتقديرها في محاولة عدم التفكير في فقدانها وخسارتها.
  • التعبير عن المخاوف مع الشريك أو الصديق: يُنصح بمناقشة مخاوف خسارة العلاقة مع الشريك والتعمّق في التفاصيل لمعرفة الأسباب الحقيقيّة وذلك قد يؤدي إلى إعطاء العلاقة فرصًا جديدة للوصول للاستقرار والأمان.
  • تحويل الغيرة إلى سبب محفّز للنجاح، وذلك عبر البحث عن مصادر الغيرة وعادة ما يكونون أشخاصًا متميّزين وناجحين في مجالات حياتهم والبحث عن أسباب هذا التميّز والنجاح والعمل بها حتى لو بالتدريب على مهارة ما أو طلب المساعدة والنصيحة من هؤلاء الأشخاص.
  • تحديد أسباب الخوف من الخسارة ومعالجتها: فإنّ النظر إلى الموقف بشكل كامل يساعد على تحليله وفهمه. فالموظف الذي يشعر بالتهديد وخسارة مركزه الوظيفي يعاني من أسباب لهذا التهديد منها أنّه مهمل بانجاز مهامه أو لا يحترم قوانين عمله أو يعامل زملاءه بأسلوب غير لائق، فإنّ معرفة السبب ومعالجته سيعيد فرصة حصوله على استقراره الوظيفي وبالتالي خفض مستوى القلق والشعور بالغيرة من زملائه.