بمعزل عن السيناريوهات التي رُسمت ، وبعيداً عن التوصيفات التي قُدمت لتعامل القوى السياسية مع إستحقاق الإنتخابات البلدية والإختيارية، فإن الثابت والواقعي هو أن مجلس النواب عقد جلسة تشريعية عامة الثلاثاء في 18 نيسان الجاري ومدد للبلديات والمختارين لمدة سنة ، بعدما بدا واضحاً أن غالبية القوى السياسية لا تُريد ولا ترغب في إجراء هذا الإستحقاق في هذه الظروف التي تعيشها البلاد.
وككل إستحقاق يتم تقاذف المسؤولية وتبادل الإتهامات بين القوى السياسية تارة، وبين الحكومة ومجلس النواب تارة أخرى وهو ما حصل في ملف تطيير الإنتخابات البلدية والإختيارية.
فالقوى السياسية ، تبارزت في المواقف المعلنة وغيرالمعلنة حول أهمية هذا الإستحقاق ، لكنها توافق وبطرق مختلفة على عدم إجراء هذه الإنتخابات والتمديد لمدة سنة ريثما يكون قد تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود على صعيد الواقع السياسي والإقتصادي والمالي في البلاد وأزمة الشغورالرئاسي.
وبحسب المعلومات المتوافرة، فإنّ غياب وزيريْ الداخلية والمالية عن جلسة اللجان النيابية الأخيرة، كان جزءاً من لعبة تطييرالإنتخابات ومن السيناريوالمتفق عليه خلف الكواليس، رغم موقف وزيرالداخلية المعروف والمُعلن من جهوزيّة الوزارة لإجراء الإنتخابات.
لكن الوزيرمولوي نفسه وغيره ، أشار في مواقف له إلى أن الإرادة السياسية لإجراء الإنتخابات البلدية هو المعرقل الأساسيّ لهذه الإنتخابات.
ووفق ما تم تداوله خلال إجتماعات اللجان، فإنّ المشكلة المالية التي تم التضرع بها، قد تكون الأسهل بين المشاكل التي تحول دون إجراء الإنتخابات في موعدها، فالكلفة التي سبق وحدّدتها وزارة الداخلية بـ 8.89 مليون دولار، تُعتبر كلفة بسيطة أمام ما يبدّده مصرف لبنان من أموال على منصّة صيرفة يومياً، وهو يعادل نصف المبلغ الذي دُفع ثمناً لجوازات السفرمن حقوق السحب الخاصة التي حصل عليها لبنان من صندوق النقد الدولي، والتي هُدرأغلبها بشكل مخالف للقانون (لم يبقَ من أصل 1.1 مليار دولار سوى نحو 300 مليون دولار).
فالأموراللوجستية هي الأساس، حيث أقلّ من أسبوع على إقفال باب الترشيح في محافظتي الشمال وعكار (26 نيسان)، لم يقدم أحد ترشيحه، وأقلام النفوس في المناطق لا تملك طلبات قيد كافية لإصدارإخراجات القيد المطلوبة لتقديم الترشيح. كذلك فإن إفادة ورود إسم المرشح في لوائح الشطب الخاصة بمنطقته من المتعذّر الحصول عليها، سيما وأن حضورالموظفين في مراكزالمحافظات والقائمقاميات يقتصرعلى يوم أو يومين في الأسبوع.
وماذا عن تسديد رسم الترشيح لدى المُحتسب المالي في وزارة المالية غيرالممكن بسبب تقنين حضور الموظفين، وبالتالي هناك شبه إستحالة لتأمين المستندات الخاصة بالترشيح في الوقت المتبقي قبل إقفال باب الترشيح.
وقد يكون ما تقدم غيض من فيض ما قد يظهر من مشاكل أخرى في أيام الإقتراع، التي تحتاج إلى كادربشريّ كبير لن يكون سهلًا ضمان مشاركته في ظلّ الإضرابات المستمرّة والتي قد تمتدّ إلى الإنتخابات أيضاً.
فإضراب الأساتذة، دخل شهره الرابع من دون وجود أيّ أفق لإنقاذ العام الدراسي، وهو ما قد يطال الإنتخابات ، كما أن مشاركة القضاة في لجان القيد، غيرمضمونة بالرغم من أنّ مجلس القضاء الأعلى عيّن القضاة في لجان القيد، وهذه اللجان باشرت عملها.
وجاء إقرارالتمديد وفق الصيغة التي قدمها النائبان سجيع عطية وجهاد الصمد ويرمي إلى التمديد لمدة سنة.
في المحصلة، سقطت أمام التمديد للبلديات والمختارين، حجج عدم المشاركة في جلسات مجلس النواب،خصوصاً من قبل تكتل “لبنان القوي”الذي شكل بمشاركته وحضورنوابه الجلسة، تغطية لنصاب الجلسة وميثاقيتها، وقد تفتح الباب أمام جلسات أخرى في حال الضرورة كما جرى في ملف البلديات، في حال طال أمد الشغورالرئاسي.
وبطبيعة الحال، بقيت الإعتراضات من بعض النواب المحسوبين على قوى التغيير وكتلة “القوات اللبنانية” التي وُصف إعتراضها من قبل البعض بالخافت نظراً للمواقف التي قدمها نوابها خلال المناقشات في جلسات اللجان.
وللتذكير،فإن المجالس البلدية كان يفترض أن تنتهي ولايتها في نهاية شهرأيارعام 2022، ثم مُدّد لها أول مرة حتى نهاية أيار 2023، واليوم حتى نهاية أيار 2024، ولو أن النص ترك المجال مفتوحاً امام الحكومة لإجراء هذه الإنتخابات في أي وقت ، وما جرى يعني تمديد الفراغ في الكثيرمن البلديات،إذ تتحدث أرقام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن أنه من 1059 بلدية في لبنان، ثمة 108 بلدية منحلّة إضافة إلى 31 بلدية مستحدثة بعد العام 2016، يُديرها القائمقام أو المحافظ.
ووفق مصادرخاصة ،فإن إتصالات مكثفة جرت وإستمرت حتى ساعات الصباح التي سبقت إنعقاد الجلسة من أجل تأمين المخرج والحضورالذي بلغ 73 نائباً داخل القاعة، بينما شارك نائب التغيير فراس حمدان بحضوره على مقاعد الصحافة وكان مراقباً لمجريات الجلسة التي كادت أن تطير ويطيرمعها التمديد التقني الذي حُدد بسنة كحد أقصى، بسبب السجال الذي دار بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ونواب التيار الوطني الحر على خلفية تبادل الإتهامات وتحديد المسؤوليات، والذي بادر وفتحه النائب أسامة سعد عندما إتهم الحكومة بأنها تكذب على الناس.
وكالعادة سجلت الجلسة وما قبلها وما بعدها سلسلة مواقف عبرت فيها الأطراف عن توجهاتها مما جرى ويجري.