قاب قوسين من النصف قرن على الحرب الأهلية.. انتهت ام لم تنته؟

مضت نحو خمسة عقود على اندلاع الحرب الأهلية في لبنان والتي تصادف هذا الاسبوع في الثالث عشر من نيسان.

واذ تعود اللبنانيون على إحيائها، ودوماً تحت عنوان “تنذكر ما تنعاد”، بقصد دفع شياطينها بعيداً ربما لأنهم يبعدون عن  أنفسهم  الشعور بالذنب، وقد تعودوا أن يعتبروها “حرب الأخرين على أرضهم”.

بهذا التوصيف، تمكنوا من الهرب من تحمل المسؤولية ومن النتائج الكارثية التي أدت اليها الحرب وكذلك البحث بأسبابها بعدما أصبحت سياقاً يتكرر كل ربع قرن تقريباً.

منذ ما قبل وضع أسس جمهورية لبنان الكبير، كانت أسباب الحرب  المزعومة، حسبما أوردت  كتب التاريخ المجتزئة، لعبة كلة بين ولدين، من أبناء طائفتين المسيحية والدرزية في جبل لبنان، وأدت إلى نظام القائمقامتين، الذي وضعه قناصل الدول الخمس وفرضوه على السلطنة العثمانية، ثم نظام المتصرفية. لكنها  الطائفية التي أنتجتها سياسة فرق تسد وشاءها المستعمر الفرنسي فتيل تفجير دائم، وهكذا دواليك منذ إعلان الجمهورية الأولى عام 1943، لم تنتظر طويلاً أحداث عام 1958، لتشعل البلدين بين خياري حلف بغداد الأميركي أم عبدالناصر والسوفيات  وانتهت “بلا غالب ولا مغلوب”.

صحيح أن حرب ال 75 جاءت وسط أجواء تفجيرية تغييرية في المنطقة، وتحت عناوين شتى في لبنان منها الطائفي، والإجتماعي، والتحريري، والتقسيمي، والفدرلة، والكنتنة، والتي أدت إلى تمزيق للمجتمع ونسيجه شر تمزيق.

وكانت نتيجتها كارثية كما  تقول الأرقام عن هذه الحرب. فهي أدت إلى مقتل ما يزيد عن 150 ألف شخص و300 ألف جريح ومعوق و170 ألف مفقود، لا زالت أسرهم إلى الآن ينتظرون قوانين تتوفاهم أو تحل أزمات أهلهم وأسرهم العالقة.

طبعاً هذا عدا عما أدت اليه من تهجير السكان بسبب هذه الحرب طال نحو مليون نسمة، كما ونزوح نحو نصف مليون أخرين من 189 بلدة وقرية مسيحية وإسلامية وقدرت مجموع خسائر البلد المادية من هذه الحرب نحو 25 مليار دولار اميركي.

بعد خمسة عشر عاماً أنهى اتفاق الطائف عام 1989 هذه الحرب برعاية ثلاثة أفرقاء إقليميين ودوليين، السعودية وسوريا والولايات المتحدة الاميركية، التي كانت قد تحولت إلى القوة الدولية الوحيدة في العالم في نهاية ثمانينات القرن الماضي بعد سقوط  التحاد السوفياتي .

 لقد استطاع الاتفاق وقف الحرب، ولكنه بالتأكيد لم بلغ أسبابها التي عادت متجذرة في الدستور، و/بعدما  اصبحت الطائفية في النص بدل العرف الذي كان  وتحولت صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني، إلى رئيس مجلس الوزراء مجتمعاً وفيه كل الطوائف وعلى رأسه سني. كما ابقت على رئاسة  المجلس النيابي للطائفة الشيعية، وإلى الأن لم يتشكل حسب الطائف، مجلس الشيوخ الذي  يرأسه كما قيل درزي.

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، هل انتهت الحرب الأهلية أم لا تزال مفاعيلها جاهزة لحرب أهلية جديدة تعيد الاشتعال تحت العناوين السابقة ؟

هل انتهت الحرب واتعظ منها الجيل الذي واكبها وتأثر بنتائجها ؟

هل انتهت الحرب واتعظ من دروسها وخسائرها ونتائجها جيل الشباب الذي كان لم يولد بعد ؟

الثابت بعد نحو ثلاثين عاماً على إقرار اتفاق الطائف، والذي لم تنجز كل بنوده بعد، انه لم يوقف أو يشبع العقلية المتعطشة للمكاسب الطائفية، مما أدخل على الإتفاق إضافات لم تكن في صلبه لاسيما ماخص  قانون الانتخاب الذي  كان على اساس لبنان دائرة واحدة، استبدل اليوم وتحول الى  قانون انتخاب على أساس  طائفي، وتحولت الدائرة الواحدة الى دوائر صغرى وإلى مزيد من الغرق في الطائفية والتحاصص.

أيضاً أخذت الوظائف طابعاً طائفياً قوياً وتعدى الأمر الفئة الأولى والثانية إلى ما دونها من فئات ثالثة ورابعة وخامسة وهذا ما لم ينص عليه الطائف … وكل هذه مؤشرات يبني عليها زعماء الطوائف آمالهم وأهدافهم  المدمرة.

الثابت أيضاً أن قلة قليلة فقط من الجيل الذي واكب الحرب اتعظ منها ويعود ذلك لعدم قيام الدولة بواجبها في  إجراء قراءة نقدية، على أسس المواطنة، لمسار الحرب.

لقد ظل عدد كبير ممن شارك في الحرب يعتبر ارتكاباته وجرائمه، وأبرزها، اتصاله بالعدوالاسرائيلي، إنجازات فرضها عليه حقه للحماية الاستعانة ولو” بالشيطان”.

كان يكفي إخضاع هذا الأمر لمعادلة القانون اللبناني الذي جعل من إسرائيل، كياناً عدواً يحظر التعامل معه، وهذا لم يتم، مما أفسح المجال لاستمرار الكلام بهذا المنحى إلى الأن حتى أن عملية ازالة رأس العمالة بشير الجميل من على رأس الدولة، لم يحل إلى قانون العفو العام، بل إلى المجلس العدلي، وسمح للقضاء اللبناني أن يحاكم حبيب الشرتوني كمرتكب ومجرم وليس بطلاً قام بعمليته لواحدة من عمليات المقاومة الوطنية التي طردت العدو الاسرائيلي وحررت الارض.

أما، فيما يختص بمدى اتعاظ جيل الشباب من هذه الحرب المدمرة ونتائجها، الثابت ايضاً، أن كل ما سبق من عدم الإنجاز وأبرزها كتابة تاريخ الحرب وجعل بعض أماكن دمارها متحفاً تراه العين الشابة، وتترك أثرها   عند جيل الشباب.

هذا الجيل، وبدل أن يفتش عن مستقبل نير لبلاده وهو بداخلها، نرى الشباب منهم يفتش عن المستقبل خارج البلاد ويقصدون الدول العلمانية ليخضعوا لقوانينها  طائعين في الخارج، ولكنهم  في الداخل ينصاعون  للزعيم الطائفي والمرجع الروحي، ويفتش عن المزيد من الحقوق والخصص لطائفته في الداخل اللبناني .

خلاصة لا بد منها، أن أي حياة لمستقبل هذا البلد، لا يمكن أن تقوم إلا من خلال معايير الدولة الحديثة وقوانينها المدنية ونظامها العلماني الذي يحفظ حقوق الجميع، المؤمن والم لحد والمرتد، وحيث لا أقلية أو اكثرية عددية، بل وحدة يصنعها الدستور والقانون، مما يوحد المجتمع ويصوغ من وحدته قوة  تواجه الطامعين  والمستعمرين والعنصريين، كما ويحافظ على وحدة هذه البلاد ومشاريعها  المتطورة، اقتصادياً واجتماعياً ووحدوياً مع محيطها القومي مما يكفل لها الاستفادة من ثرواتها لتكون لجميع ابناء الوطن.

علينا ألا نقول، “تنذكر وما تنعاد” بل أن نفعل أفعالاً كي لا تنعاد علينا هذه الحروب المدمرة لأبناء مجتمعنا وشعبنا.