هل يصح ألّا يُحرم الطفل من شيء؟

دائمًا ما تسود في التربية المجتمعية مفاهيم وربّما أفكار خاطئة لدى العامة من الناس، وغالبًا أيضًا ما يكون للفهم الخاطئ لأساليب ومتطلبات التربية انعكاسًا قاسيًا على الأطفال الذين سيتحوّلون لافراد فاعلين مجتمعيًا فيما بعد. “ما حرمتوا من شي” عبارة تُردّد كثيرًا ولكن هل ينتج تطبيقها انسانًا سليمًا لاهل أمّنوا له كل متطلباته؟
‏اكثر من ذلك، يصبح البعض يحلم بألّا يحرم طفله من شيء، فما هي الأسباب وراء هذا الحلم؟ وهل تلبية جميع طلبات أطفالنا هي من مصلحتهم؟

لرغبة الأهل في تحقيق أماني أطفالهم وتلبية جميع طلباتهم أسباب عديدة، أهمّها:

  • إمضاء الأهل لساعات عدّة بعيدًا عن البيت، سواء في العمل أو غيره، مما يتسبب بشعورهم بالذنب تجاه أطفالهم، فيعمدون إلى تعويضهم عن هذا الغياب بالهدايا المتكررة.
  • حصول العائلة على طفل وحيد، فيسعى الأهل لتلبية حاجاته وطلباته دون تردد.
  • حالات الطلاق بين الأهل تسبب أحيانًا نوعًا من التنافس على كسب محبّة الطفل، وفي أحيان أخرى تسبّب شعورًا بالذنب من قبلهم لاختبار أطفالهم هكذا ظروف مضطربة، فيحاولون التعويض بإغداق الهدايا وتلبية الرغبات.
  • مرور الأهل بأنفسهم بطفولة قاسية وحرمان عاطفي أو مادي بحيث يفكّرون أنهم سيتصرفون مع أطفالهم بطريقة معاكسة، ساعين إلى تحقيق جميع طلبات أبنائهم.
  • التخلّص من صراخ الطفل وبكائه وإلحاحه للحصول على مبتغاه بعيدًا عن الأسباب، فإنّ هكذا أسلوب في التعامل مع الطفل لا يؤمن له بالضرورة السعادة والراحة النفسية، بل في أغلب الأحيان يؤدي إلى التسبب باضطرابات سلوكية ونفسية لديه، وذلك الأسلوب لا يُسمّى دلالًا بل إفسادًا. فكلمة دلال مرتبطة بالسعادة، وهو ما يمكن تحقيقه حتى في وجود القوانين الأسرية الحازمة.

أمّا من أبرز مخاطر تلبية طلبات الطفل كافة فهي:

  • الأنانية والعدوانية، حيث يسعى الطفل دائمًا إلى الاستئثار والرغبة في الحصول على ما ليس له، ذلك لأنه اعتاد على أنّ كلّ شيء يخضع لإرادته وحده دون النظر لظروف الآخرين، فيصبح شخصًا متسلطًا ويفتقد للتعاطف مع الآخرين، كذلك فإنّ ذلك الطفل لم يعتد تطوير مهاراته في حل المشاكل وتحقيق الرغبات، وبذلك سوف يجد أن السلوك العدواني هو افضل بديل للحصول على ما يريد، وقد تظهر أولى مؤشرات ذلك الأمر عندما يبدأ في توجيه السلوك العدواني نحو الأم.
  • الشعور بالقلق والاكتئاب: عندما يعتاد الطفل على الحصول على كل ما يريد، فإنّه يرفع سقف طلباته حيث يصبح هناك شيء من الصعب الحصول عليه، حينها يتحول الغضب الناتج عن عدم حصوله على طلباته، مع التقدم في العمر، إلى شعوره بقلق زائد عن الحد يصل به إلى الاكتئاب في مرحلة المراهقة أو حتى النضوج.
  • صعوبة بناء علاقات اجتماعية ناجحة: فالحياة تتلخّص في الأخذ والعطاء، بينما هو قد تعوّد على الأخذ فقط. كذلك فإنّه لا يتمتّع بقدرة على التعامل مع الرفض، إذ يؤدي عدم تنفيذ كل ما يأمر به الطفل إلى شعوره بالصدمة والغضب الشديد عندما يفاجأ بالرفض من قبل الزملاء أو الأصدقاء، لتفسد علاقاته الاجتماعية بسهولة، عكس ما يحصل عندما يدرك منذ الصغر أنّه لن يحصل أحيانًا على ما يريد، ليتعلّم كيفيّة التعامل مع الرفض بمرور السنوات.
  • قلّة الصبر وإدراك قيمة الأشياء: فطلباته مجابة باستمرار دون إدراك المعاناة التي يتكبّدها الوالدان، فقد تعوّد على أن تلبّى طلباته بسرعة، فلم يتدرّب على السيطرة على الذات والرغبات التي قد يتأخّر تحقيقها. كذلك فإنّه يحصل على رغباته دون تقديم أي شيء أو عمل بالمقابل وبذلك فإنّ قيمة الأشياء لا تعنيه، فيصبح من الشخصيات المرفّهة التي لا تقبل فيما بعد بأي عمل تجد فيه تكلّفًا، كما أنه سيبحث عن الفرص السهلة التي تمكنه من تقاضي راتب كبير، ولعلّ ذلك ما يفسّر رفض العديد من الشبان لفرص العمل وتفضيلهم الجلوس في المقاهي دون عمل، لأنّهم تربّوا هلى ذلك.
    والأطفال الذين تعوّدوا على تلبية طلباتهم لديهم القدرة على التمثيل على والديهم بالبكاء والصراخ والعويل أو حتى (التقيؤ) حتى تتحقق طلباتهم لأنّهم يعرفون جيدًا نقاط ضعف أبائهم تجاههم، كذلك فهم غالبًا ما يختارون الوقت والمكان غير المناسبين لإحراج ذويهم، كأن يتواجدوا في مكان عام.

فتنفيذ كلّ طلبات الطفل تجنّبه الشعور بالاحباط أو ضرورة المحاولة عند الفشل، لذلك عندما يسرع الأهل في إعطاء الطفل ما يريد فهم يساهمون في عرقلة بناء شخصيته السوية.
فعلماء النفس التحليليون يشدّدون على أهميّة تعرّض الطفل للإحباط (عدم تلبية رغبته) لبناء شخصيته وقدرته على حل المشاكل التي قد تواجهه مستقبلًا.
ويقول البروفيسور الأميركي جون روزموند، أستاذ علم النفس العائلي، أنّه لا بدّ من وجود ما يطلق عليه فيتامين “لا” لدى الأطفال، أي أن نقول لهم “لا” بين الحين والآخر، لنموّهم العقلي وصحتهم النفسيّة. ويقول بأنّ الأباء لا يعلمون أنّهم بتلبية طلبات أطفالهم التي لا تنتهي فهم يتسببون بإدمان أطفالهم على هذه الأفعال، إذ أنّهم لن يتوقفوا عن طلب المزيد، حتى عندما يكبرون لن يشعروا بطعم السعادة، وهو ما أطلق عليه روزموند اسم (مرض إشباع الرغبات).
فالطفل لكي يكون سعيدًا ولكي يشعر بالاكتفاء العاطفي والمحبة والحنان من قبل أهله، لا يحتاج لهدايا قيّمة ومتكررة، فأن تغدق على طفلك الكثير من الحب والأحضان هو جزء من الدلال الذي لا يُفسد بل يقوّي العلاقة بينكما، كذلك أن تصطحب طفلك في نزهة، وإن كانت قصيرة، جزء من الدلال.
أمّا بالنسبة لتقديم الهدية للطفل، فهو أمر محبّب ومطلوب ومفيد له من الناحية النفسية والتربوية، لكن بشروط، وهي:
أن تكون منطقية وفي المناسبات وللتشجيع والمكافأة، وتتناسب مع القدرة المادية للعائلة، وألا تكون للتعويض العاطفي بأي حال من الأحوال. فالهدية هي نوع من التحفيز على تصرّف إيجابي أو إنجاز أو سلوك قام به، أو تشجيع وتكريم للطفل. ومن الخطأ تقديم الهدايا كتعويض عن غياب أحد الوالدين أو محاولة لاستمالة الطفل عند الوالدين المطلقين، ففي هذه الحالة يفضّل أن يتّفق الوالدان على مواعيد ومناسبات محددة للهدايا وبكلفة متقاربة. كذلك لا بدّ أن يقرن الآباء تلبية طلبات الصغار بتقديم مقابل ما، يتمثل في العمل وبذل المجهود وتحمل المسؤولية، حتى لا يشعر هؤلاء الأطفال بسهولة الأمر. وفي حال رفض الأهل تلبية رغبة الطفل، عليهم أن لا يكثروا من تبرير الرفض، بل الاكتفاء بالقول أنّ الطلب غير مناسب أو الوقت غير مناسب بعد.