معاناة صامتة مع الأرق.. هذا سرّ علاجها

قد يكون الأرق (insomnia) هو المرض الصامت، الذي يتسلّل إلى البشر تحت جناح الليل، وحين يهمّون بالنوم يعارضهم ويدفعهم غصبًا نحو يقظةٍ غير مرغوبة، مصحوبة بالتعب الجسدي والنفسي.

يحتاج معظم البالغين إلى حوالي 8 ساعات نوم كل يوم لضمان شعورهم بالراحة. ويعرّف الأرق على أنّه عدم القدرة على النوم لساعات كافية. ويشمل ذلك صعوبة الخلود إلى النوم (صعوبة بدء النوم)، أو كثرة الاستيقاظ من النوم ليلًا (تقطّع النوم) أو الاستيقاظ في وقت مبكر جدًا.
في هذا الاطار يُقسّم الأرق إلى نوعين:

  • الأرق الحاد أو المفاجئ: وهذا النوع قصير الأمد، حيث يستمر لأيام قليلة، وعادة ما يحصل نتيجة توتّر أو ضغط عصبي أو أحداث صادمة، مثل أرق ليلة الامتحان أو بعد سماع خبر سيئ. فيما يتعرّض الكثير من الأشخاص لهذا النوع من الاضطراب العابر وتحلّ المشكلة دون الحاجة لعلاج.
  • الأرق المزمن: وهو حدوث اضطراب النوم لثلاث ليالٍ أسبوعيًا على الأقل واستمراره لمدة ثلاثة أشهر في الحدّ الأدنى. وعادة ما يكون الأرق مرتبطًا بحالة صحية أو مشكلة نفسية أو دواء معيّن. وأكثر حالات الأرق شيوعًا هي صعوبة البدء في النوم، وهذا النوع له علاقة قوية بحالات القلق. أما النوع الآخر من الأرق فيظهر في الاستيقاظ المفاجئ في ساعة مبكرة غير المعتاد عليها، وعدم مقدرة الإنسان على العودة للنوم مرة أخرى، وهذا النوع من الأرق له مدلول مرضي يشير في أغلب الأحيان إلى حدوث حالات معيّنة من الاكتئاب.

وتقسّم أسباب الأرق بالشكل التالي:

أسباب بيئيّة (أي بيئة النوم): يواجه البعض مشكلة الأرق عند السفر، وذلك بسبب تغيير المكان والبيئة المحيطة وتغيير المنطقة الزمنية والتعامل مع ثقافة مختلفة وتغيير الوظيفة، كذلك الارتباك بين الليل والنهار لظروف العمل كمناوبة ليليّة، وفي حال وجود مولود جديد في المنزل. وعادة ما يكون الأرق مؤقتًا وقصير الأمد، وغالبًا ما ينتهي بانتهاء مدة السفر أو التكيّف مع كل العوامل المسببة له، وقد تسبب القيلولة الأرق للبعض.

أسباب فيزيائية: تؤثر المشاكل الصحية على ايقاعات النوم، مثل مشاكل الجهاز التنفسي (الربو والانسداد الرئوي)، ومشاكل العضلات والمفاصل (التهاب المفاصل)، وغالبًا ما تحتوي العديد من الأدوية على المنبهات ومكونات أخرى يمكن أن تعوق قدرة الجسم الطبيعيّة على النوم والاستمرار فيه. فبعض أدوية الضغط وأدوية علاج أمراض القلب والهرمونات مثل موانع الحمل والكورتيزون، وكذلك بعض مضادات الاكتئاب ومضادات الصرع والأسبيرين والأدوية المحتوية على كافيين كلها أدوية تسبب مشاكل وصعوبات في النوم. بالإضافة إلى تغيير النظام الغذائي وسن اليأس والتغيّرات الهرمونيّة مثل دورات الحيض واستهلاك الكثير من النيكوتين أو الكحول أو الكافيين. كذلك فإنّ التعرّض للكثير من المحفّزات قبل النوم مثل مشاهدة التلفاز أو ألعاب الفيديو أو ممارسة الرياضة قد يسبب الأرق. وأكثر ما يكون الأرق شائعًا في مرحلة الشيخوخة، إذ تحصل تغيّرات في أنماط النوم.

أسباب نفسيّة: وهي الأهم بالتسبّب بالأرق، بدءًا بالتفكير المستمر سواء بأمور المنزل والعمل أو بالأمور المالية وغيرها والتي تعيق حصول النوم. ويتتبعه القلق الذي يعتبر اضطراب نفسي مؤثر على دورة النوم الطبيعيّة، 80% من مرضى الاكتئاب يواجهون صعوبة في النوم تتمثل في صعوبة الخلود للنوم والاستيقاظ كثيرًا خلال الليل والأحلام المزعجة مع العجز عن العودة للنوم مجددًا. كذلك فإن اضطراب ثنائي القطب (bipolar) يسبب اضطرابات في النوم، حيث أن أولى علامات بداية النوبة تكون بتضاؤل حاجة المريض للنوم، فقد يمضي أيامًا بساعات قليلة من النوم (1 – 3 ساعات يوميًا)، والفصام (الشيزوفرينيا) يؤثر بالنوم بشكل كبير، فنسبة عالية من المرضى يصابون بالأرق وصعوبة الخلود للنوم. أمّا اضطراب التكيّف وهو شعور بالحزن أو التوتر والقلق استجابة لحدث مؤلم كالطلاق أو موت عزيز أو الفصل من العمل فهو عادة ما يسبب قلة في النوم واستيقاظ متكرر خلال الليل.

بطبيعة الحال، إن كان السعي لايجاد حلّ لمشكلة الأرق يتحتّم ايجاد حلٍّ للاسباب الدافعة نحو الارق. فإذا تسبّب مرض معيّن، جسدي أم نفسي، في الأرق، فقد يصف له الطبيب مضادات للقلق أو أدوية مضادة للاكتئاب للمساعدة في علاجه وعلاج الأرق على حدّ سواء.
هذا وتتعدّد طرق علاج الأرق وقلّة النوم لتشمل العلاجات السلوكيّة حيث يمكن للمريض تحسين عاداته وسلوكياته من حيث محاولة تجنبه للكافيين وأدوية مدرات البول لمدة لا تقل عن ٨ ساعات قبل النوم.

  • عدم تناول وجبة ثقيلة في وفت متأخر من الليل واستبدالها بوجبة خفيفة قبل النوم بساعتين وتجنّب ممارسة الرياضة خلال 3 إلى 4 ساعات التي تسبق وقت النوم.
  • الحد من أي قيلولة في النهار تتعدى مدة 30 دقيقة.
  • عدم مقاومة النعاس والخلود إلى النوم فورًا عند الشعور به.
  • الحرص على تهوية السرير والأغطية بين الحين والآخر والمحافظة على غرفة النوم هادئة ومظلمة وبحرارة معتدلة عند النوم.
  • إطفاء الأدوات الكهربائية الموجودة في الغرفة مثل الكومبيوتر والتلفزيون، فهذه الأدوات تصدر موجات كهربائية ومغناطسية تؤثر سلبًا على النوم.
  • تجنب التعرّض لمحفزّات مثل مشاهدة التلفاز قبل النوم، أو الاستخدام المطوّل للهواتف أو أجهزة القراءة (الكتب الإلكترونية) التي تعطي الضوء قبل النوم. وقد يساعد الاستماع للموسيقى الهادئة أو أخذ حمام دافئ او قراءة كتاب على النوم بسهولة.
  • محاولة الحفاظ على روتين نوم ثابت، أي بين 7 و8 ساعات نوم يوميًا مع تثبيت وقت النوم والاستيقاظ.
  • في حال عدم استطاعة النوم، ينصح بالنهوض من السرير وعدم المكوث فيه لحين الشعور بالنعاس.
  • إذا كان القلق والتفكير بأمور الحياة يمنعان المريض من النوم يمكنه تجربة (إنشاء قائمة مهام) لليوم التالي قبل الذهاب إلى الفراش، فذلك قد يساعد على عدم التركيز على المخاوف والقلق وقت النوم.
  • محاولة الاسترخاء قبل النوم بممارسة تمارين اليوغا أو التأمّل أو تمارين التنفّس السليم لمدة ٥ دقائق. كلّ هذا يساعد على طرد التفكير السلبي والشحنات السالبة واستبدالها بالشحنات الموجبة التي تطرد القلق والتوتر.

قد يكون العلاج النفسي هو أبواب علاج الأرق، فيما يُعتبر الحجر الأساس بحلّ المشكلة هو التشخيص السليم ومعالجة الأسباب المتنوّعة الكامنة ورائها.