البلديات تتأرجح بين التأجيل والتجميل والتجديد

أسابيع قليلة تفصلنا عن انتخابات المجالس البلدية والاختيارية التي حدد وزير الداخلية مواعيد انطلاقتها في السابع من أيار القادم في الشمال وعكار. ويبقى حصولها من عدمه موضع تساؤل وأخذ ورد لاسباب محض تقنية وسياسية في الغالب الأعم.
فاضراب القطاع العام والقضاة وانعكاس ذلك على الاجراءات اللوجستية المطلوبة كالحصول على إخراجات القيد والسجل العدلي وتصاريح المندوبين وخلاف ذلك من اللوازم الضرورية ناهيك عن الإشكالية القائمة حول المجلس البلدي لمدينة بيروت واقتراحات القوانين المقدمة من القوات والعونيين لضمان التمثيل المسيحي جميعها معوقات لم تجد طريقها الى الحل حتى الساعة.
أما المال اللازم وفق ما أعلن الوزير المختص جرى تأمينه من الوفر في حقوق السحب وقيمته 400 مليون دولار باقية من أصل مليار ومئة مليون دولار صرفت خلال جائحة كورونا.
مقابل ذلك ومن دون العودة الى المجلس النيابي تستطيع الحكومة أن تعلن قدرتها على إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية وتصرف الاعتماد اللازم المتوفر أصلًا وقدره 9 مليون دولار لكنها حتى الساعة لم تعلن ولن تلعن…في وقت يجري الحديث همسًا في الكواليس طعن جلسة تشريعية للتمديد سيحرص أحد الأفرقاء على حضور الجلسة و تأمين نصابها.
إن الاستحقاق البلدي والاختياري بصرف النظر عن أهميته لجهة إدارة الشؤون المحلية وتلبية احتياجات المواطنين الإدارية والتنموية خاصة ما يتعلق بمهام المختارين، قد يشكل لبعض قوى السلطة (الاستحقاق الملهاة ) ما يشغل الناس عن شجونها الحياتية وفقرها وعذاباتها اليومية في ظل أقسى وأعتى أزمة اقتصادية وانهيار مالي صنف معه لبنان في مصاف الدول الفاشلة على مستوى العالم برتبة متقدمة.
ويرى أهل السلطة بالمماحكات الأهلية والتناطح لتولي المسؤوليات بفعل التوق المرضي عند البعض للوجاهة وتصدر المجالس أفضل وسيلة لنسيان أو اهمال الحال المزرية التي يعيشها اللبنانيون فتقع القرى والبلدات والمدن في جب منازعات الجب والعائلة والحزب وغير ذلك من العصبيات الفئوية.
والحال أيضًا فإن العديد من القوى السياسية تتهيب إجراء الانتخابات نظرًا للتغير الاجتماعي الذي تحدث عن نفسه في الانتخابات النيابية الأخيرة فقدانًا لسيطرة القوى الحزبية سيطرة تامة على جمهورها وبدا التسرب واضحًا باتجاه التيارات المدنية.
وفي المعطيات المتوفرة ان غالبية القوى السياسية غير متحمسة لهذا الاستحقاق بدليل برودة الحركة الانتخابية في القرى والدساكر والمدن، علمًا ان الأوروبيين والأميركيين راغبون بإجراء الانتخابات ويضغطون على الحكومة المستقيلة ليس من باب احترام المواعيد الدستورية إنما لغاية في نفسها ولوهم في عقلها بأن الاستحقاق البلدي والاختياري سيحدث قلاقل وتصدعات في البيئة الحاضنة للمقاومة تحت تأثير المنازعات العائلية والحزبية، وهذا الحلم لم يتحقق في السابق ولن يتحقق اليوم لصلابة تلك البيئة وسعي القيمين عليها سواء حزب الله او حركة امل على التماهي والتآلف حد الانصهار لإدراكهما حجم التآمر لتفتيت تلك البيئة وتمزيقها لاراحة العدو الصهيوني المتربص بها شرًا.
أمّا رغبة بعض القوى السياسية بإجراء الانتخابات فهي لاستعراض القوة الجماهيرية والسيطرة على المجالس المحلية واستجرار المساعدات والخدمات التنموية من قوى دولية لا تثق بالدولة اللبنانية وخاصة الأميركيين والاتحاد الأوروبي، بحيث تقدم المساهمات مباشرة فترتاح القوى السياسية العاجزة مع غياب الدولة من هم ومسؤولية تأمين الخدمات للمجالس المحسوبة عليها في حين تجد القوى الدولية فرصة لوضع يدها على المجالس المحلية تحت عنوان عدم شفافية السلطات الرسمية فتفتح قنواتها المباشرة مع المجالس البلدية وفي ذلك مصلحة لتلك الدول على اكثر من صعيد ؟!.
اذًا تناقضات عميقة ومصالح تتجاذب القوى السياسية، واذا كان من معارك قاسية فستشهدها البيئة المسيحية فيما البيئات التخرى تشكل صورة منقحة عن الانتخابات النيابية لا تعتريها تغيرات ذات بال، وكما في الانتخابات النيابية والرئاسية كذلك في الاستحقاق البلدي سيأخذ العراك في القرى والبلدات المسيحية، إذا ما جرت الانتخابات، طابعًا صداميًا عنوانه الأنا الفئوية للتمثيل المحلي للرسملة في استحقاقات أكبر خاصة بين القوات والتيار ….
على العموم حتى الآن تبدو كفة التأجيل هي الراجحة فيما البلد أرجوحة تتقاذفه أهواء القناصل والسفراء.