“الزهزهة” القاتلة.. حقائق “التحشيش” صحيًا ونفسيًا

أمام الوضع الاقتصادي المزري، وأمام القضاء على أحلام وآمال جيل شابٍ بكامله، وأمام الكم الهائل من الضغوطات النفسية والاحباطات اليوميّة، ظهرت آفة تعاطي حشيشة الكيف في لبنان على مدى واسع وغير مسبوق النظير، مما شكّل خطرًا وعبئًا إضافيًا على مجتمع يعاني من أزمات وأعباء على كافة الصعد وبشكل شبه يومي.
أهم أسباب تعاطي الحشيش تكمن في الاعتقاد الشائع بأنه لا يسبب الإدمان، بينما الحقيقة هي على النقيض تمامًا. إذ تؤكد الدراسات أن من 25% إلى 50% ممن يتعاطون الحشيش سنويًا يتحولون إلى مدمنين بسبب احتوائه على مادة تتراهيدرو كانابينول المخدرة، فيتحول الحشيش إلى احتياج بدني ونفسي نتيجة التمادي في التعاطي لفترات زمنية ليست بالقصيرة وكمية ليست بالقليلة.
عند تعاطي الفرد للحشيش لمجرّد التجربة، فإنّ مستوى الدوبامين (ناقل عصبي مسؤول عن الشعور بالسعادة والمتعة) يزداد بكميات هائلة وبالتالي يلجأ المتعاطي للحشيش مرة ثانية للحصول على التأثير ذاته، ولكن مع الوقت يحدث تعوّدٌ لمستقبلات الدوبامين، فيحتاج المتعاطي لاستخدام كميات أكبر ليحصّل الشعور نفسه وبالتالي يدخل مرحلة الإدمان.
هذا بالإضافة إلى الجهل بالأضرار الجسيمة التي يسببها تعاطي الحشيش وتأثيراته النفسية والجسدية الخطيرة إن كان على صعيد اضطرابات التفكير والإدراك أو على الأوعية الدموية والقلب واحتمال الإصابة بالاضطرابات العقلية.
كذلك فإن سهولة الحصول على الحشيش في الشوارع والتجمعات الشبابية ورخص أسعاره مقارنة بغيره من المواد المخدرة يعدّ من أسباب انتشاره. وفي بعض الحالات يكون الفضول في مرحلة الشباب هو الدافع نحو تجربة التدخين والتعاطي، ويُمكن أن يُعرض على الشخص تناوله من قبل أحد أصدقائه أو في مناسبة ما، ويكون الفضول حينها هو بداية الإدمان في حال عدم وجود الوعي الكافي.
أمّا عندما لا يملك الشاب القوة النفسية الكافية لمواجهة ضغوطات الحياة فإنّ أوّل ما يلجأ إليه للخروج من حالة الضغط النفسي هو تعاطي الحشيش، وذلك بسبب حالة الانتشاء وعدم الإدراك التي يسببها، ويتحوّل التعاطي من مرّة واثنتين إلى إدمان لا بد من علاجه.
وفي حال الإصابة باضطرابات نفسيّة كالقلق المزمن أو الأرق أو الاكتئاب قد يندفع الشباب نحو إدمان الحشيش لتحسين الحالة النفسية وتجربة مشاعر النشوة. كما ويعتقد بعض الرجال أنّ الحشيش سيحسّن من أدائهم الجنسي لكن الواقع هو أنّ استمرار التعاطي يؤدي تدريجيًا للعجز الجنسي.

أما بالنسبة لآثار إدمان الحشيش على المدى الطويل، فتتمثل في أضرار نفسية وسلوكية عدّة، منها:

  • زيادة خطر الإصابة بإدمان أنواع أخرى من المخدرات أو الكحول.
  • اضطراب القلق العام، حيث يعاني المصاب من قلق مفرط أو غير واقعي من جوانب الحياة مثل العمل والدراسة والعلاقات الاجتماعية مما يؤدّي إلى زيادة الانفعالات النفسية والشعور بالتعب واضطراب النوم.
  • اضطراب الاكتئاب الشديد، حيث يستمر بالشعور بالحزن الدائم وانخفاض المزاج وعدم الاستمتاع بالهوايات والانعزال الاجتماعي والشعور بالذنب وقد يصل حتى لتمني الموت.
  • الفصام العقلي (schizophrenia) نتيجة وجود مادة (THC) الأكثر ضررًا على دماغ المراهقين، وما يرافق هذا الضرر من عوارض تشويه الإدراك والذاكرة والانفصال عن الواقع بسبب الهلوسة والأوهام.
  • اضطراب ثنائي القطب (Bipolar)، حيث يعاني المصاب من تغيرات دورية في المزاج والانتباه والتحفيز نتيجة تعاطي الحشيش، فتتناوب لديه فترات من السعادة المفرطة وفترات من الاكتئاب والحزن الشديد.
  • اضطرابات سلوكية ككثرة الخلافات مع أقرب الناس وتغيير في طريقة الكلام وإهمال الواجبات المطلوبة منه وكذلك مظهره الخارجي والنظافة الشخصية.
    على صعيد آخر هناك أضرار يتسبب بها الحشيش على الجسم، كتدمير خلايا المخ وأنسجته، بالإضافة إلى إعاقة حركة التنفس واحتمال الإصابة بالتهاب الرئة والسرطان وزيادة سرعة نبضات القلب واصفرار لون الجلد.

للتخلص من تعاطي الحشيش هناك بعض النصائح للمتعاطي الذي لم يصل لمرحلة الإدمان بعد، إذ يمكن في هذه الحالة الإقلاع عنه في المنزل ودون مساعدة طبية، بالرغم من الأعراض الانسحابية مثل التوتر والعصبية والتي لا تعتبر خطيرة، ويمكن اتباع الخطوات التالية:

  • تهيئة النفس للأعراض الانسحابية وتجهيز خطة للتعامل معها، كطلب المساعدة من الأهل والأصدقاء.
  • وضع خطة وجدول زمني للإقلاع عن استخدام الحشيش، وهنا يمكن الاختيار بين التوقف عن التعاطي بشكل تدريجي مع تقليل الجرعة المستخدمة أو بشكل قطعي من مرة واحدة.
  • التخلص من الحشيش الموجود في المنزل وكل أدوات التعاطي .
  • الابتعاد عن المواقف والظروف التي تجعل المتعاطي يرغب في تعاطي الحشيش، كالابتعاد عن الأصدقاء الذين يستخدمونه.
  • ممارسة الرياضة أو الهواية المفضلة بما يملأ الفراغ ويساعد على الانشغال عن التفكير بالحشيش.

أما في حال الإدمان، فهناك عمليّة علاجية تتم في مراكز تأهيل متخصصة وتتألف من ثلاث مراحل:

  • التخلص من السموم (detoxing)، وإدارة أعراض الانسحاب وعادة ما تستغرق هذه المرحلة ١٤ يومًا.
  • التعامل مع الأمراض النفسية الناتجة عن الإدمان، وهذه المرحلة تحتاج من ثلاثة إلى ستة أشهر من العلاج النفسي.
  • تأهيل المريض للانخراط في المجتمع مجددًا ومساعدته على التأقلم مع حياته والاندماج في محيطه.
    قد يؤدي التعمّق بدراسة الآثار الصحية والنفسية لتعاطي الحشيش صادمًا للبعض، ولكن الحقائق العلمية لا تؤدي عادةً إلّا غرض الخدمة العامة، لا سيما حين يساهم نشرها في تعميم فائدة على مجتمع سادت الافكار المغلوطة فيه لفترة من الزمن، وطغت على رأيه العام. تعاطي الحشيش طعنة للنفس، وليس “زهزهة” تنعش الأفكار وتجمّلها!