هل يغيّر الأردن سياساته؟

هل يغيّر الأردن سياساته؟

لا يزال  الشرق الأوسط تحت تأثير صدمة الاتفاق السعودي الإيراني بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وما سيترتب على ذلك من تعاون اقتصادي وثقافي وعلمي وتكنولوجي بين الدولتين، وتأثير ذلك على سياسات دول المنطقة المنفردة أو الجماعية.

الأردن أحد الدول المهمة في الإقليم والتي لعبت تاريخيًا، دورًا ايجابيًا أحيانًا وسلبيًا أحيانًا أخرى في الأحداث التي عصفت بالشرق الأوسط في المئه عام الأخيرة.

ارتبط النظام الأردني تاريخيًا بخطط الغرب للمنطقة العربية ولم يخلّ أبدًا بالتزاماته وتعهداته تجاه سياسات الغرب رغم اتخاذ بعض المواقف المعارضة للسياسات الغربية أحيانًا، لكن سرعان ما يعود للسكة المرسومة له في خطط الغرب للمنطقة.

في العشرين سنة الأخيرة وفي ظل عهد الملك عبدالله الثاني، حصلت تغيّرات كبيرة في التعاطي مع القضايا العربية وفي السياسة الداخلية أيضًا، ولم يعد الغرب يسمح للنظام الأردني بأي اجتهاد سياسي أو اقتصادي، حتى لو كان بسيطًا،  خارج إرادة الغرب وخططه والتي كانت في جوهرها تعظيم الدور الإسرائيلي في إدارة وريادة المنطقة وحل مشكلة الشعب الفلسطيني على حساب الدول العربية المحيطة بإسرائيل عن طريق التوطين والتجنيس، وإدماجه في تلك المجتمعات سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، وإنشاء غيتو فلسطيني هزيل بمسمى السلطة الفلسطينية  في فلسطين وتحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة.

في ظل سعار الليبرالية المتوحشة عالميًّا في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي، تم جعل الأردن ومصر مختبرًا حيًا لتطبيق تلك السياسات الاقتصادية والاجتماعية الإجرامية ضد شعوب المنطق، مما ادّى، كما في كل دول العالم التي سارت بتلك السياسات الإجرامية، إلى أن عرفت هذه الدول سياسات الاستيلاء اللصوصي والمافياوي على مؤسسات القطاع العام وانتشار الفساد السياسي والمالي غير المسبوق وانهيار مؤسسات التعليم المدرسي والجامعي وانهيار النظام الصحي وتعزيز القطاع الطبي الخاص تحت شعار السياحة العلاجية، وجرى تحويل الرعاية الصحية للمجتمع إلى سلعة لها ثمن تعجز عن دفعه غالبية المجتمع الساحقة، وتم كذلك خلق الأزمات المتتالية، كالبطالة الواسعة والمرعبة وانتشار المخدرات بشكل واسع وكذلك انتشارالدعارة وتجارة الجنس.

والأخطر من ذلك كله هو خلق فئة اجتماعية صغيرة تستولي على كل مقدرات الدولة السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية وفرضها في إدارة الدولة ومؤسساتها، وتشكلت هذه الفئة وبنيت على أساس عملاء للنفوذ الغربي والإسرائيلي ورّطوا الشعب الأردني في سياسات لا يقبلها ولا يتمكن من مقاومتها للأسف.

والآن، وبعد تغيّر هام وجدّي في المناخ الدولي وتراجع الهيمنة الغربية وسيطرتهاعلى العالم وعجزها عن حل مشاكلها المتعاظمة إن بالحرب أو بالضغوط المختلفة، وإذ يكاد العالم يتوحد في مواجهة الهيمنة الغربية وغطرستها لإخمادها ولبناء عالم متعدد الأقطاب ونظام دولي جديد قائم على الحرية والتعاون لخدمة المجتمع البشري وحل المشاكل المستعصية والتي تسببت بها الإمبريالية ونظامها المتوحش، أصبح من الممكن خطوة خطوة للدول الصغيرة أن تسعى لبناء سياسة مستقلة تسمح لها بأن تأخذ خيارًا مختلفًا لما فرض عليها.

الأردن من بين تلك الدول الصغيرة والتي يمكن أن تستفيد من ذلك الجديد في العالم والذي يبنى بروية وصبر، ولا أظن أن الملك عبد الله الثاني بعيد عن إدراك وفهم تلك التغيرات، وهو يملك الجرأة والشجاعة للسير في ذلك الدرب دون أن يعني ذلك الاصطدام مع الغرب والعداء، بل أن نبني علاقات ندية غير تابعة تحترم خصوصيتنا وحقنا في تحديد علاقاتنا في محيطنا مع ايران وتركيا، ومع أهلنا العرب في سوريا واليمن والعراق ولبنان، وإخوتنا في الخليج وباقي الدول العربية بما يتفق مع مصالحنا، بعيدًا عن فرض الغرب علينا سياساته، وحل مشاكلنا السياسية والاقتصادية والتنمية المشتركة وبناء قطاع عام قوي يسند الدولة ويعزز شراكته مع القطاع الخاص لتعزيز الاقتصاد الوطني وإعادة بناء الدولة على أسس جديدة وطنية ومتحررة وتنموية حقيقية كفيلة بحل كل مشاكلنا، وتخدم الوطن والإقليم وبمواجهة إسرائيل وليس بالتبعية لها وخدمة أهدافها.

لتكن دراسة التجربة السياسية والاقتصادية والثقافية  والإدارية والاجتماعية والتي سار بها النظام طوال العشرين سنه الماضية وتقييمها لنصل إلى نتيجة ضرورة التغيير الشامل والا النذير بخسارة الوطن نهائيًا.