صيغة فرنجية-الحريري الأقرب للتحقق والخوف من مكر التاريخ

صيغة فرنجية-الحريري الأقرب للتحقق والخوف من مكر التاريخ

اعتاد اللبنانيون منذ نشأة الكيان اللبناني على انتظار تسويات الخارج لأزماتهم السياسية والدستورية في البيت اللبناني بمنازله المتعددة ونوافذه المطلة على الإقليم وما بعده.
واذا أسقطنا نظرية مكر التاريخ وفق توصيف الفيلسوف الألماني هيغل، بمعنى حصول ما ليس متوقعًا في السياق المعتاد للأحداث على المشهد اللبناني المعقد، فإنّ التقارب السعودي الإيراني في اللحظة الحرجة والأحداث المكثفة في الإقليم والعالم جاء الى حد كبير ترجمة موضوعية للرؤية الهيغيلية والمسار التاريخي الراهن. ما يبعث الأمل في إمكانية اخراج البلد من الهوّة السحيقة التي أوقعه فيها نزق الساسة بكل اعتمالاتها الماحقة اقتصاديًا واجتماعيًا ومعيشيًا في ظل انهيار العملة الوطنية وشلل الإدارات الرسمية والغلاء الفاحش وتحوّل الدولة برمتها الى منصة فاشلة عائمة على بحيرة من التماسيح!!!.
شهران من اختبار النوايا بين الإيرانيين والسعوديين يسبقان عودة التمثيل الدبلوماسي بين البلدين الوازنين في معادلات الإقليم كفيلان بحلحلة العقد على أكثر من صعيد وفي أكثر من ساحة ملتهبة على تقاطعات طهران / الرياض بدءًا من اليمن مرورًا بالعراق وسوريا وصولًا الى لبنان المطحون بالحصار وحرب التجويع للإخضاع والإذعان لشروط أميركا.
ومما لا ريب فيه أنّ التقارب السعودي الإيراني يُعد تفاهم الضرورة للجهتين في ظرف يعيش العالم كباشًا وجوديًا على الساحة الأوكرانية بين أميركا المهجوسة بالحفاظ على سيطرتها الأحادية عالميًا وروسيا المتحفزة لاستعادة الدور في عالم متعدد الأقطاب تسوده العدالة والقيم الانسانية، بعدما حطم الغرب الجماعي وعلى رأسه أميركا كل النظم القيمية والمرتكزات الأخلاقية للاجتماع البشري .
وفي هذا المجال تقول أوساط دبلوماسية مطلعة ان لهذا الاتفاق آثاره العميقة البالغة الأهمية على المنطقة والعالم، بحيث سيعيد للوحدة الإسلامية ألقها ويجهض الفتنة المذهبية التي أجج نارها الأميركي عقب احتلال العراق وخلفت بحرًا من الدماء في العديد من الدول، كذلك سيجهز على الديانة الابراهيمية المستحدثة كسياق تدرجي نحو التطبيع مع العدو الإسرائيلي والانطلاق في ورشة تنموية في المنطقة تبدد آثار الحروب والنزاعات.
ورأى المصدر أنّ التوازن بالعلاقات ومقاربة الملفات سيكون عنوان المرحلة القادمة، بحيث يطوى ملف الحرب في اليمن بدماره ومآسيه، وتتحقق عودة العرب السريعة الى سوريا، حيث ترد كل يوم تصريحات لمسؤولين سعوديين في هذا الشأن، وإقرار علني بعدم جدوى استمرار الحصار وتجويع الشعب السوري، لا سيما وأنّ صمود الجيش العربي السوري ودحره للإرهاب أسهم في رد الشرور عن كل العرب. والتقارب السعودي السوري دخل مرحلة متقدمة من التفاهمات بعد جولات ولقاءات أمنية سورية سعودية، وللعرب مصلحة في ذلك لرد الأطماع التركية في الشمال من جهة والأطماع الصهيونية في الجنوب من جهة ثانية.
أما الملف اللبناني فإنه شهرين على الاقل سيبقى في الثلاجة السعودية الايرانية ريثما يكتمل عقد التفاهمات والتسويات في اليمن وسوريا، سيما وأتّ الملفين اللبناني والسوري مرتبطان عضويًا ومن العسير فك عرى التشابك في قضايا وأساسيات تهم الجارين الشقيقين.
وحسم المصدر قضية مركزية في هذا المجال تقضي باستنساخ الصيغة التي كان معمول بها عقب اتفاق الطائف أي الموازنة بين الاقتصاد والأمن ولكلا الملفين راعٍ إقليمي او بالأحرى امتداد يعكس طبيعة وواقع الصراع في المنطقة، بحيث يَطمئِن محور المقاومة والمعني المباشر حزب الله لرئيس جمهورية لا يجزئ مفهوم العروبة، أي الجمع بين العلاقة مع الخليج من موقع الأخوة والتصدي في آن معًا لاطماع العدو الصهيوني كمرتكز أساس لهوية لبنان القومية بالركون الى المقاومة كطاقة ردعية استراتيجية تحفظ حقوق لبنان السيادية.
وترى المصادر أن صيغة فرنجية في الرئاسة وسعد الحريري في الحكومة هي الصيغة المثلى التي تتواءم والتركيبة اللبنانية الحساسة، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة تنقية تلك الصيغة التي سادت سابقًا من الشوائب التي اعترتها والتفرغ لخطة انقاذية تنتشل لبنان من الهاوية التي أوقعته فيها سياسات التحاصص العقيمة المدمرة.
وتقول المصادر أن ارهاصات عودة سعد الحريري كثنائي حكم مع فرنجية باتت قابلة للتحقق سيما وأنّ (العلة والمنغص) لسعد الحريري كانت حرب اليمن، وبزوال العلة يزول المعلول، والجميع يدرك حقيقة أنّ سعد الحريري رفض تحويل لبنان ساحة تنفيسة لحرب اليمن بالذهاب الى صدام مذهبي مع حزب الله ودفع ثمن هذا الخيار الوطني بامتياز بأن تم اقصاؤه عن واجهة العمل السياسي.
اليوم ومع حلحلة ملف اليمن من خلال التفاهم الايراني السعودي سيسهل حكمًا عودة سعد الحريري الى الحكم لسبب جوهري له علاقة بالتوازنات الطائفية في البلد، حيث لا زال سعد الحريري رغم الإقصاء القسري والابتعاد عن المشهد وفي ظل فشل استنبات زعامة سنية تضاهيه في الشعبية، يشكل الشخصية الأقوى والأقرب الى الوجدان السني من جهة والوطني من جهة ثانية لشعور غالبية اللبنانيين بمظلومية طالته من خلال هذا الإبعاد غير المنطقي وغير السيادي والذي لم يتناوله السياديون في بلدنا بعد أن أثخنوه بتقارير الوشاية وأشاحوا النظر عنه لحسابات مصلحية ذاتية ضيقة.
ويختم المصدر الى حين نضوج متكامل متكافئ للتسوية على مدى شهرين من جس نبض النوايا سيبقى لبنان بين مطرقة النقد المتهاوي وسندان الجوع وتبقى صيغة فرنجية الحريري الأقرب والأنجع والأجدى للتحقق، اللهم اذا فوجئنا بمكر التاريخ وفق المفهوم الفلسفي الهيجلي….

مفيد سرحال-باحث في الشؤون السياسية اللبنانية