الأعياد (الميلاد ورأس السنة) خارج فلسطين، احتفالات لممارسة الطقوس الدينية وتبادل الهدايا والزيارات.
أمّا في فلسطين فهي «احتفالات الحياة » في مواجهة آلة الحرب والدمار الإسرائيلية.
وكم هو كبيرٌ وشاسعٌ الفرق بين هذين النوعين من الاحتفالات.
وفي كل عام يأتي الميلاد مبشّراً بالولادة وبعده «العيد الكبير» كما تسمّيه الطوائف المسيحية احتفالاً بالقيامة، ويأتي الفطر عند الطوائف الإسلامية في اليوم الأول من شهر شوال الذي يفطر فيه المسلمون محتفلين بإتمام الصيام خلال شهر رمضان، ومن بعده الأضحى الذي يحتفل فيه المسلمون والموحدون الدروز، الذي هو ذكرى لقصّة ابراهيم عندما رأى رؤيا أمره فيها الله بالتضحية بابنه إسماعيل، وبعد تصديقه وابنه للرؤيا، أمره الله بعدها بذبح أضحية بدلاً عن ابنه.
وهكذا تتحوَّل الأعياد إلى مناسبات فرح وبهجة، حيث تقام الاحتفالات والصلوات والزيارات ووجبات الطعام وتبادل الهدايا على أنواعها.
أمّا في فلسطين التي ترضخ تحت بربريّة الاحتلال الإسرائيلي وهمجيته، فللأعياد ومناسباتها وتقاليدها نكهةٌ أخرى مجبولةٌ بكل ألوان الاضطهاد والتعذيب والتنكيل والاعتقالات والتهجير والانتهاكات اليوميّة لأبسط حقوق الإنسان في حريّة الحركة والتنقّل والتملّك، ناهيك بحريّات القول والفكر والنشر والتظاهر التي غالباً ما تنتهي بممارسات إجرامية على غرار ما نشهده ولا نزال على مدار الساعة في السنتين الماضيتين وعلى مدى سبعة قرون من عمر الاحتلال للأراضي الفلسطينية منذ العام 1948 حتى تاريخ كتابة هذه السطور.
لقد كُتب على الشعب الفلسطيني خلال هذه العقود الطويلة تحت نير الاحتلال، أن يكون مذاقه للأعياد مختلفاً لكل المناسبات على تنوّعها، دينيةً كانت أو اجتماعية أو سياسية أو تاريخية، من أعياد ميلاد أبنائهم ومناسبات تخرّجهم واحتفالات زواجهم، ليأتي كل ذلك ممهوراً بتلك الغصّة العميقة التي تسكن القلب ولن تفارقه إِلَّا بزوال الاحتلال الإسرائيلي وما يحمله من ظلمٍ وقهر وإذلال.
كل الأمهات في العالم تحمل أولادها في بطونها مرّة واحدة خلال رحلة العمر، باستثناء الأُمَّ الفلسطينية التي تحمل أولادها مرّةً في الرحم جنيناً، ومرّةً أخرى على أكتافها شهيداً. ولعلً المشاهد التي تتوالى أمام ناظرينا من باحات الأقصى وكنيسة القيامة، ومخيمات وقرى الضفة والقطاع، لأكبر دليلٍ على فظاعة الجرائم التي تُرتكب يوميّاً على مرأى من عيون المحيط القومي الغارق في مِحنِهِ، والمحيط العربي الغارق في مستنقعات التطبيع، والعالم الخارجي الغارق في عمى التعصب والانحياز وإدارة الظهر في استنسابية وقحة كشفتها الحرب الدائرة رحاها في الشرق الأوروبي وبشكلٍ يثير التقيّؤ.
لقد أثبت الفلسطينيون بالأمس، اليوم، وغداً، أن المعركة مع الاحتلال سلاحها الإرادة أوّلاً، والحجارة ثانياً والمقلاع ثالثاً والأجساد الحيّة رابعاً وذلك الإصرار العنيد على مقاومة المحتلّ خامساً وسادساً وسابعاً.
إِنَّهُم يقدّمون لنا وللعالم أجمع دروساً في مواجهة الظلم والقهر والغطرسة، وأنّ الوقت الذي سيأتي ليكلّل نجاحاتهم وإنجازاتهم ،كي يحتفلوا بالأعياد كبقيّة شعوب الأرض، آتٍ لا محالة.
وَإِنَّ غداً لناظره قريب.


