د.مريم العلي في مؤتمر الكتابة التاريخية في بلاد الشام

د. مريم العلي، الأستاذة الجامعيّة في أميركية بيروت، البحّاثة الثقة في تاريخ بلاد الشام، المُعوّل عليها في تحرير وتقديم وثائق النهضويين، سيّما ما اختصّ منها بتاريخ فلسطين وأعلامها، شاركتْ مؤخّراً في المؤتمر الثاني عشر لتاريخ بلاد الشام المنعقد في عمّان، حزيران 2024، في جامعتها بالتعاون مع جامعتي اليرموك ودمشق، في دراسة رائدة تناولت فيها إعادة قراءة الفضاء المديني في دمشق كما قدّمه ابن عساكر في موسوعته التاريخيّة الشهيرة، ضمن مجموعة من الباحثين والمؤرّخين من بلاد الشام والعالم، في مؤتمر تحت عنوان “الكتابة التاريخيّة في بلاد الشام في القرون الخمسة الهجريّة الأولى”، وها الآن صدر كتاب يضمّ جميع الأبحاث العلميّة المقدّمة في هذا المؤتمر.

في بحثها المقدّم إلى المؤتمر نيابة عن جامعة بيروت الأميركيّة تلحّ د. العلي انّه معلوم لقارىء المصادر العربيّة ان صيغة “بيت خديجة/دار خديجة” الأشهر والأكثر تواتراً عنى بها المصنّفون دار خديجة بنت خويلد زوج النبيّ. أمّا هذا البحث فينظر في تاريخ مدينة دمشق ليتناول إشارات ابن عساكر المتوفّي في القرن الثاني عشر الميلادي، إلى “دار خديجة”/ دار خديجة بنت سيّدتنا خديجة بمكّة. يُقارب البحث الدار المذكورة من خلال مستويات إدراك المكان (بصريّاً)، واختباره (كفضاء للتجربة الاجتماعيّة اليوميّة)، وتصوّره (نظريّاً). وكان قدّم هذه المقاربة الفلسفيّة للمكان المنظّر الفرنسيّ هنري لوفيفر في كتابه انتاج الفضاء 1974، حيثيستعير الباحث أدواتها في محاولة لتأسيس فهم أعمق لاستراتيجيّات ابن عساكر الكتابيّة، عبر تحليل مجهريّ لموارد ذكر دار خديجة في تاريخ دمشق. من تعيين الدار في وصف دمشق الطوبوغرافيّ بمقدّمة الكتاب، إلى جزء من الذاكرة الأمويّة اللصيقة بدمشق، يستقرىء البحث هذه الموارد ويبني عليها للإضاءة على تصوّر ابن عساكر العام للمكان الدمشقيّ، سيّما مركزيّة المسجد الجامع فيه. يرنو البحث إلى تبيين أهميّة القراءة المجهريّة لدى تناول التي تظلّلها غالباً الرؤى والاستنتاجات العامّة، كما إلى إظهار غنى الإمكانيّات البحثيّة خارج إطار الأسئلة التاريخيّة المألوفة والمباشرة. فهذه الدار الدمشقيّة التي يصعب البتّ في هويّة خديجة المنسوبة إليها لا تقصر، كما تبدّى في ثنايا هذا البحث، عن إثراء فهمنا للكتابة التاريخيّة الشاميّة، التي يتركّب معها تصوّرنا لدمشق القديمة، يُسعفنا بذلك قلم ابن عساكر الذي يكاد يُنطِق أحجارها.

محمود شريح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *