إن أعظم وأخطر معطِّلات وحدة الأمة ووحدة المجتمع والوعي القومي والوجدان القومي هي الحزبية الدينية. وما زالت هذه الحزبية الدينية والطائفية مستمرة منذ القرون الوسطى. في كيانات الدول السورية كافة، ولم تخرج منها رغم الجراح الكبيرة الدامية التي خلّفتها، وهي المتقوقعة والرافضة للمواطنين الآخرين في الأمة السورية. وهذا لا يختص بفئة بعينها، بل يشمل كل الحزبيات الدينية في أغلب أشكالها.
الحركة السورية القومية الاجتماعية لا تحارب الأفكار الدينية والفلسفية أو اللاهوتية المتعلقة بأسرار النفس والخلود والخالق وما وراء المادة، لكنها تمتلك نظرة خاصة للحياة والكون. هذه النظرة لا تعطل العقل، بل تؤكد أن العقل هو الشرع الأعلى للإنسان، ولا تهرب إلى وجود وهمي، بل تفعل بالوجود ليكون وجودها ساميًا وراقيًا.
وتواجه الحركة السورية القومية الاجتماعية الأفكار والعصبيات التي تزعم أن المؤسسة الدينية هي مؤسسة مدنية واحدة أينما كان مركزها، سواء في الفاتيكان، أو الأزهر، أو تركيا، أو السعودية، أو غيرها من البلدان خارج الأمة السورية. وتعارض هذه الوجهة لأنها تعتبر الدين مؤسسة سياسية وإدارية وقضائية دنيوية، وتقول بعدم وجود وطن، أو أمة، أو قومية، أو وطنية، وتعتبر المؤمنين بالدين على اختلاف أممهم مجتمعًا واحدًا يعود أمره إلى المؤسسة الدينية أينما كان مركزها. وهذا منافٍ لمفهوم المواطنة والوطن والسيادة القومية، ومنافٍ لوحدة المجتمع الواحد والأمة الواحدة والإرادة الشعبية الواحدة، وأيضا مناف للتفاعل الاجتماعي الحقيقي، ومنافٍ لوحدة القيم والأخلاق الاجتماعية التي يقوم عليها الشعور والوجدان القومي. كما يناقض وحدة الاتجاه العام للأمة ووحدتها السياسية ومصالح شعبها الواحد، ويتعارض مع مفهوم الدولة المعبرة عن مصالح مواطنيها.
وفي الأمة السورية عشرات الأديان والمذاهب، وكل مذهب وطائفة تحلم بإقامة دولة وحكم سياسي خاص بها منذ القرون الوسطى وما تلاها. وإذا عدنا إلى تاريخ الأمة السورية، نجد الاقتتال بين الأديان والمذاهب ينتقل من منطقة إلى أخرى، وقتالًا بين المذاهب تارة وتحالفًا تارة، ما أدى إلى تدمير البلاد وشخصية الأمة، وجعلها عرضة لتأويلات الجهل والأحقاد الطائفية، وسهّل على الأمم الطامعة والاستعمارية الانقضاض عليها واحتلالها وقضم أراضيها.
وفي الألفية الثالثة لم تتعلم المؤسسات الدينية مما حصل في الماضي، لا البعيد ولا القريب. فاليوم تخطط المؤسسات الدينية وأحزابها المذهبية وتحشد قواها لمغامرة جديدة عنوانها استقلال المذاهب الدينية بعضها عن بعض وتأسيس إطار سلطوي يسمونه الدولة. وهذه المغامرة تقود شعبنا إلى الاقتتال والتمزيق، وتضيف إلى قهر الشعب قهرًا جديدًا، وتسير بالأمة نحو الهلاك ومزيد من الاحتلال اليهودي والاحتلالات الأخرى.
المطلوب اليوم هو دعوة شعبنا إلى ترك دعاوات العصبية الحزبية الضيقة التي تقود إلى التفرقة والضعف، والتمسك بالعصبية القومية التي تقود إلى الوحدة والتماسك والقوة، وتعيد للشعب حقوقه ومقدرات بلاده وتصون السيادة والاستقلال.

