منهج الصدق: الطريق إلى حياة قومية جديدة

يشكّل الصدق القومي في العقيدة القومية الاجتماعية قيمةً محوريّة ترتكز عليها النفسية الجديدة التي أراد أنطون سعاده إرساءها في المجتمع. فهو ليس مجرّد فضيلة أخلاقية فردية، بل هو نهجٌ شامل للحياة، ومقياسٌ لرجولة الأمم ووعيها وصدق انتمائها إلى رسالتها الاجتماعية. إنّه فعل إرادة، وسلوك مناقبي، وعقليّة جديدة تهدف إلى بناء مجتمع نظيف من الأهواء والأنانيات وأمراض الانحطاط.

يرى سعاده أن السياسة القائمة على الخداع والمراوغة والمتاجرة بالآلام هي سياسة ساقطة، لا يمكن أن تبني حياة قومية راقية. أما السياسة التي يؤمن بها فهي «سياسة الحق والصراحة للشعب»[1]؛ سياسة تقوم على كشف الحقائق، وتعليم الناس حقيقة وضعهم وقواهم الكامنة، كي ينهضوا من حال التخلّف إلى حياة العزّ والمجد. فالصدق، في نظره، هو التعبير العملي عن احترام الشعب وقدسية آلامه، وهو الوسيلة التي تُربّى بها الأمم وتُبنى بها القوميات.

والصدق القومي الاجتماعي هو أيضاً تجلٍّ لوجدان المجتمع الجديد؛ وجدانٍ حيّ متوهّج بالإيمان، يرفض النفاق والدجل والتحريض والبلبلة والتشهير، ويقاومها بالوضوح والجرأة والشفافية. إنّه حسن السلوك النابع من محبة الشعب والدفاع عن حقوقه، ومن الإخلاص للخير العام، لا للمآرب الخاصة. وهو فضيلة ترتقي بالنفس إلى قمم الإنسانية لأنها تعتمد الحق معياراً، والواجب منطلقاً، والمصلحة العامة غايةً نهائية.

هذا الصدق هو الذي يصنع الإخاء القومي الحقيقي، ويؤسّس للثقة بين أبناء المجتمع، ويمنح النهضة روحها الحيّة. وهو الذي يمكّن العاملين المخلصين من مواجهة الفساد والمفسدين، ويجعلهم قادرين على سحق المساوئ والانحرافات، وبناء حياة جميلة مشعّة عدلاً وخيراً وجمالاً.

إنّ القوميين الاجتماعيين، في مشروع سعاده، لا يطلبون شيئاً لأنفسهم، بل يطلبون للحق أن ينتصر وللشعب أن ينهض. لذلك كان وجودهم، كما يقول سعاده، «برهاناً قاطعاً» على أنّ الأمم لا تقوم بالخداع، بل «بالأخلاق الصحيحة والصراحة الكلية والإرادة الصراعية».[2]

فالصدق القومي هو السبيل إلى النهضة، والقاعدة الأخلاقية التي لا تقوم قومية صحيحة من دونها، والضمانة الأكيدة لارتقاء الأمة إلى حياتها المثلى، حياة العزّ والحرية والكرامة.


[1] خطاب الزعيم في بيت مري، 15/10/1947، الشمس، بيروت، العدد 299، 26/10/1947

[2] خطاب الزعيم في الكورة ضيف 1937.

د. راجح الحلبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *