التأسيس ثوابت وتطلعات

أهمية الذكرى الثالثة والتسعون لتأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي هذا العام انه يأتي مواكبا للحدث والتطورات، ولطالما كان سعاده فيلسوفاً وقائداً زعيماً شرعته الأولى العقل وعقيدته مسندة بالعلم.

سورية الكبرى والهلال الخصيب اسم حضر إلى المسامع كثيراً هذا العام، مؤكداً صحة العقيدة التي قدمها سعاده منذ نحو قرن وأهمية جغرافية بلادنا التي كانت ولاتزال تشكل هاجساً عند الطامعين والمستعمرين القدامى والجدد، ولو اختلف الزمن.

حدد سعاده بالعلم والوثائق امته السورية وامتداداتها الجغرافية التي مزقتها سابقاً اتفاقية سايكس – بيكو في تقاسم استعماري أدى إلى زرع الكيان اليهودي – الإسرائيلي في وطننا وأدت «خطته النظامية» إلى ما وصلت اليه اليوم، بعد تلاقي مشروعهم مع إرادة الأطلسي – الامبريالي بالهيمنة على موارد وثروات بلادنا.

الذكرى هذا العام تأتي لتؤكد حجم المخاطر التي وعاها سعاده مذاك وأتت عقيدته لتؤكد سبل المواجهة، وهي مستمرة وستبقى دون كلل أو احباط.

وما أشبه ما قاله في الأمس بحال اليوم، عندما وصف ظروف تأسيس الحزب، قائلاً «في هذا الزمن الذي هو زمن تنازع الأمم للبقاء، انبثق الحزب كما الفجر في اشد ساعات الليل حلكاً ليعلن مبدأ جديداً هو مبدأ الإرادة لشعب حي …»

وفي الحقيقة نحن في موقع من اثنين، أو تهيمن القوى الباغية والطاغية على بلادنا ومعها كل حقوقنا المشروعة، أو نحن أصحاب حق ومن حقنا الحفاظ على قوتنا للدفاع عن خيرات بلادنا وثرواتها للعيش بكرامة في أرضنا. فالمخاوف لدى امتنا اليوم ان تكون في حال قال عنه سعاده في الاربعينات «سوريا آخذة في الانزلاق من أيدينا، في الجنوب تتراجع الخطوط السورية امام الخطوط اليهودية وفي الشمال تتقلص الحدود السورية امام الحدود التركية».

ومخاطر عدوي الشمال والجنوب كانت هاجس سعاده ولازالت مخاطرها ماثلة إلى اليوم. اذ يعلن المبعوث الأميركي إلى دمشق وبيروت، توم براك حقيقة ما يجري ويحضّر للمنطقة «تركيا وإسرائيل لن تتحاربا وسترون تعاوناً مشتركاً بينهما من بحر قزوين إلى البحر المتوسط ».

هي الحرب الان بين«إسرائيل الكبرى» في مواجهة سوريا الكبرى في المعادلة المطروحة بقوة من عدونا الوجودي وعلى لسان قادته، بقصد اطباق السيطرة على مواردنا الحياتية (المياه) من ينابيع وانهر، وتهدد ثرواتنا من نفط وغاز ومعادن نادرة ، وتسير في مشروع تقسيم المقسم في هذه المنطقة، إلى اثنيات وطوائف، لطالما كانت مصدر غنىً لامتنا، باتت اليوم سبيلاً لإضعاف الوحدة الروحية التي تمتّن وثائق التلاقي والمحبة بين أبناء الأمة الواحدة.

وهذا ما يضيف على استحقاقاتنا القادمة، رفع منسوب الوعي امام هذه المخاطر من خلال تعزيز الوحدة المجتمعية الآخذة في الاضمحلال.

واذا كان البعض يرى انعداماً في التوازن بعد كل ما جرى حيث بتنا امة ممزقة الحال فاقدة لحس الانتماء مهزومة الشعور، فيما عدونا يراكم قدراته بدعم من صانعيه ولو كان يقوم على غير موقعه الطبيعي، من هجرة اعادت تجميع يهود العالم على ارض بلادنا، بالاستيطان والمجازر والحروب، نرى بالمقابل ان المعاناة لبلادنا وواقعها الاجتماعي – الاقتصادي والحروب القائمة من فتن داخلية مرتبطة بمشاريع الاستعمار ومخططاته، تدفع شبابنا إلى الهجرة للخارج، حتى باتت «سمة النزوح» الداخلي ان من كيان إلى آخر أو النزوح والهجرة من كل الأمة إلى خارجها في الغرب حيث يتألقون ويتميزون ويستنهضون مجتمعات الخارج ،هذا كله يضع امامنا كحزب وأنظمة ،إشكاليات في تطوير بلادنا وكذلك في سبل تعزيز قدرات المواجهة المطلوبة ايضاً.

المفارقة ان كل هذه التحديات لم تلغِ من شعبنا، ارادته الصلبة كشعب حي، من جنوب لبنان، حيث يستمر قرار الصمود في القرى الجنوبية بأبلغ صورة، كما في غزة البطلة وإرادة البقاء رغم الإبادة الجارية والتدمير المستمر.عن هؤلاء ستروى الحكايات لأجيال لم تولد بعد .

اما عن دور الحزب والاستحقاقات التي تنتظره وقد شاءه سعاده الخطة النظامية المواجهة للخطة الصهيونية، ان في الإدارة أو السياسة أو بناء المجتمع في الانضباط والقيم وتعزيز الاخلاق، والتي وصفها «انها في صميم كل نظام يكتب له ان يبقى» ايضاً في التخطيط للمستقبل وليس الغرق في ردات الفعل، بل في تطوير آليات عمل حزبنا ليواكب العصر من خلال لغة جديدة تواكب العلم والتطور وتصبح عقيدتنا هي لسان حال الشباب.

شبابنا الذي يصارع للبقاء في امته رغم المعاناة من الفقر والزبائنية والظلم ونقص الحريات، هم محط امال الأمة وهم أداة تعميم الوعي، وان تثبيت القدرة الصراعية في امتنا، هو أيضا تعزيز تواصلنا مع قوى عالمية، كانت شريكاً اساسياً لبلادنا من خلال حراكها الشعبي الذي عمّ العالم بشعوبه الحرة، والمفارقة كبيرة طبعاً بين الشعب في أنظمة امتنا والعالم العربي، مما يؤكد ضرورة الانفتاح والتلاقي مع قوى وشعوب التحررفي العالم فلا نعود امة متروكة، على العكس فأن المطلوب تثبيت عزل عدونا الوجودي، كعدو عنصري مجرم متهم بالإبادة ورذلّه العالم وهو بفضل سنن التاريخ لن يلبث ان يسقط وينهار وينهزم وهو القائم على غير محوره الطبيعي.

قال لنا سعاده «لم آتكم مؤمناً بالخوارق، بل اثبتكم مؤمناً بالحقائق الراهنة التي هي أنتم.» ونحن سنكون بثباتنا كما شاءنا معلمنا أهل عز وإيمان وصراع من اجل كل حق وخير وجمال .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *