ودمع لا يكفكف يا دمشق

لم تكن أهداف الحرب العالمية في سورية وعليها خافية من حيث أطرافها الكبار أو من منفذي أجنداتهم من الصغار، فالهدف هو تحطيم الدولة السورية لا النظام فقط، و أن افترض بعض من أصحاب النوايا الحسنة أن الشعب قد ضاق ذرعا بشمولية النظام، وغياب الحريات والانتخابات النزيهة وسيطرة حزب على كامل الحياة السياسية وسيطرة طائفه على مفاصل الدولة والمجتمع، وتحدث هؤلاء عن ضياع الجولان وعجز النظام السابق عن استعادته، لكن الأمر سرعان ما انكشف لهؤلاء وبلغت ذروة الانكشاف مع دخول الشرع ـ الجولاني للبيت الأبيض.

يرى الرئيس السوري احمد الشرع (أبو محمد الجولاني) سابقا انه في زيارته للبيت ابيض قد أنهى قرنا من العلاقة غير الطيبة بين دمشق وواشنطن، ولعله يفاخر بانه الرئيس السوري الوحيد الذي استطاع اجتياز عتبة البيت الأبيض، وان كانت الحقيقة تقول أن لا أحد من الرؤساء السابقين في دمشق ابدى رغبة بالحصول على هذا الامتياز، وقد سبق ذلك شطب اسمه من قوائم المطلوبين بجرائم الإرهاب وتم تعليق العقوبات المفروضة على دمشق والتي سبقت عقوبات قيصر أو تلك التي لحقت بها.

تفيد الأنباء الرسمية الصادرة من كل من واشنطن ودمشق أن الرئيسان قد ناقشا القضايا الإقليمية والوضع السوري والحرب على الإرهاب وأكدا على ضرورة تعزيز العلاقات بين بلديهما، وحسب ما ورد في الأنباء من قول على لسان ترامب : توقعوا اتفاق سوري (إسرائيلي) قريب، فالرئيس السوري احمد الشرع قائد شجاع يستطيع ذلك وان علاقته الطيبة بالرئيس التركي أردوغان ستساعده في القيام بمهماته، و واشنطن ترى ضرورة الوصول إلى اتفاق امني بين دمشق وتل أبيب وهو ما لا تعارضه دمشق وان كانت تطالب بانسحاب الجيش الإسرائيلي إلى خطوط ما قبل الثامن من كانون اول 2024، لا الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران عام 1967 كما كان يطالب النظام السابق.

طلب الشرع من الرئيس الأمريكي أن يقوم الجيش الأمريكي المتواجد في شرق البلاد بتنظيم عملية ضم مليشيات قسد الكردية في الجيش السوري، ووافق الرئيس السوري على إقامة قاعدة عسكرية أمريكية في دمشق تضاف إلى القواعد الأمريكية المتواجدة في أنحاء عدة من البلاد، ولا يفوت الرئيس الأمريكي باعتباره رجل أعمال، توقيع عقود إعادة الأعمار إضافة إلى الاستثمار في الغاز والبترول والفوسفات وغيرها من المعادن والثروات الطبيعية السورية.

لم تقتصر الحفاوة الأمريكية بالضيف السوري على الإطار الرسمي وإنما شارك الإعلام بهذه الحفاوة، فقد نظمت قناة فوكس الإخبارية (FOX NEWS) لقاء معه لتسويقه أمريكيا، وكذلك صحيفة واشنطن بوست الذي قال في مقابلته معها أن سورية تقوم بالتفاوض المباشر مع (إسرائيل) برعاية أمريكية، وان الاتفاق قد أصبح قريبا.

ما تقدم في هذا المقال هو شرح سريع لما جرى في زيارة الشرع إلى واشنطن والتي أعلنت بشكل فج عن تخلي النظام الجديد عن دوره القومي والوطني، والتحاقه بالانتقال النهائي بسوريا إلى المحور الأمريكي وملحقاته الغربية (الإسرائيلية)، واذا كانت هذه القراءة سياسية تجريدية إلا أنها تبقى قاصرة وتحتاج إلى إكمالها بقراءة قومية، الزيارة تمثل محاولة بائسة لشطب التاريخ السوري الذي بدأ من عنده علم التاريخ الواضح والجلي وهو ما يذكر بالأبيات الأخيرة من قصيدة سائليني التي انشدتها فيروز

ظمئَ الشَّرقُ فيا شـامُ اسكُبي

واملأي الكأسَ لهُ حتّى الجَـمَامْ

أهـلكِ التّاريـخُ من فُضْلَتِهم

ذِكرُهم في عُروةِ الدَّهرِ وِسَـامْ

أمَـويُّـونَ، فإنْ ضِقْـتِ بهم

ألحقـوا الدُنيا بِبُسـتانِ هِشَـامْ        

لن يستطيع احمد الشرع بيع هذا التاريخ لكل غاصب محتل أمريكي أو تركي أو اسرائيلي، وهذا النوع من الإسلام السياسي هو الذي مثل مخلب القط لهؤلاء الإسقاط سوريا والذي جاء بأحمد الشرع وشيبوبه وزير الخارجية لتقسيم سوريا من جديد امتثالا للإرادة الأجنبية ودون استشارة الشعب السوري فما يهمه هو إرضاء لمن موله ودربه وسلحه وشذب لحيته وجاء به من دول الغرب وعرب البترو دولار والإسلام السياسي التركي.

لم يكن النظام السابق في دمشق مثاليا، ولكنه استطاع الحفاظ على سوريا القوية بدورها السياسي، باقتصادها. سوريا غير المتورطة في الاستدانة من البنك الدولي أو غيره سوريا المكتفية ذاتيا ومصدرة القمح والشعير والكهرباء، بلد مجانية التعليم، سوريا التي لم يكن يستطيع اي محور بالعالم العربي أن يكتمل دونها، والجميع يسعى لنيل رضاها وإذا بها اليوم تابعة لتوابع.

ولعل هذا الشرع كان يفضل أن تحكم سوريا من قبل الأمريكي والتركي بشكل مباشر ومستعد بان يقدم لحيته غطاء لهم، وها هو يقدم تنازلات بالأمن والأرض  والاقتصاد والمكانة الجيو- بوليتيكية، كما يستهتر بالحاضر والمستقبل والتاريخ.

ما يجري يثير الحزن والغضب في أن واحد، ويسيل الدمع الذي لا يكفكف، ولكن حالات كثيرة مرت على هذه الأمة لا تقل رداءة عن الحالة الراهنة، وسبق أن حكم دمشق قادة من ذات المستوى الرديء، لكنها في النهاية كانت تعود إلى دورها الحضاري القائد، واليوم نرى أن الحاجة ملحة إلى قيامة سورية وهي مطلب قومي وعربي لابد منه… إنها مسالة أوقات صعبة تطول أو تقصر بحسب قدرتنا على ممارسة دورنا في تسريع دورة الزمن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *