اثر الملابسات المعروفة خرج لبنان من معركة المساندة لغزة، وتحقق وقف اطلاق النار بين المقاومة اللبنانية ودولة الاحتلال، ولكن حتى الان نرى ان المقاومة اللبنانية هي من التزم به فيما استمرت دولة الاحتلال بخرقه قصفا ًوقتلاً وهدما ًولكن هذه المرة بالتقسيط وان كانت الحصيلة النهائية بالأرقام واحدة، فالمطلوب من المقاومة اللبنانية ان تسلم سلاحها وان تحل تشكيلاتها العسكرية والامنية كمقدمة لشطبها نهائيا، وهو ما تدركه المقاومة تماما ولن تقبل به، وهذا ما افترضه بالحقيقة اي عارف بطبيعة العدو او اي عاقل يدرك طبيعة الوسطاء الذين اشرفوا على اتفاق وقف اطلاق النار هذا من غرب وعرب وداخل لبناني.
وما جرى في لبنان عاد ليجري في غزة فهذا العارف العاقل لم يكن ليغيب عن باله عند الاتفاق على وقف اطلاق النار بين المقاومة ودولة الاحتلال المثال اللبناني، ولم تخدعه الاجواء الاحتفالية في شرم الشيخ، فبرغم التزام المقاومة بتنفيذ حصتها من شروط الاتفاق وتسليم جثث القتلى (الاسرائيليين) الذين لا زالت تحتفظ بجثثهم، الا ان الحرب عادت وعلى ذات الطريقة اللبنانية مع جرعات اضافية، ففي ليله يستشهد بها 95 مدني كثير منهم من الاطفال وفي ليلة اخرى يتجاوز عدد الشهداء المائة شهيد، وفي كل صباح تعود حكومة الاحتلال للقول انها ابلغت واشنطن بضرباتها هذه واخذت موافقتها كما انها تريد العودة للالتزام بوقف اطلاق النار بعد كل هذه الجرائم.
اما على صعيد الحرب غير المباشرة فنرى انها لا زالت متواصلة، فالإغلاق لا زال محكماً على غزة والمعابر لا تسمح بحركة المواطنين حتى الجرحى والمرضى منهم، وعملية ادخال البضائع والمواد الغذائية والمساعدات الإنسانية شحيحة وتمر بعراقيل كثيرة هذا اذا استطاعت المرور الى غزة وان استطاعت ان تتجاوز العراقيل الإسرائيلية او ان تحظى بالرضا والقبول الاسرائيلي، او بانتظار ان تقوم الولايات المتحدة بالطلب من دولة الاحتلال الاستجابة وفتح المعبر لساعات فقط ولمرة واحدة في هكذا حالة ثم تعود دولة الاحتلال الى سياساتها المعروفة.
وبما ان المسالة بكاملها تدار من واشنطن الممسكة بزمام كامل التفاصيل فإنها بهذا تكون قد منحت اسرائيل موافقتها على اي خروج عن الاتفاق لا بل وغطاء على دمويتها، فيما الوسيط العربي- الاسلامي، أي الثالوث القطري- التركي- المصري يريدون اقناع المقاومة او الضغط عليها بتسليم سلاحها وحل جهازها العسكري.
هذا النظام العربي الذي بلغ هذه الحالة من البؤس والهوان، أصبح شريكا كاملا للاحتلال وعنصرا مهما من ادواته في عداء المقاومة وعداء الفلسطينيين واللبنانيين فهو يريد ضمانة الهدوء لدولة الاحتلال وللحاكم العربي، وغير عابئ حتى بمصلحة شعبه الحقيقية فما بالكم بمصلحة الشعب اللبناني او الشعب الفلسطيني.
لم يعد هؤلاء يعبرون حتى عن اسفهم او امتعاضهم للقتل الجديد في غزه بقدر ما يرونه نتيجة طبيعية لوجود المقاومة ورفضها لتسليم سلاحها وبعبارة ادق لرفضها الاستسلام وهذا ما كان يريده النظام العربي قديما وان بشكل مضمر، ولكنه أصبح اليوم معلن وبوقاحة.
يريد هؤلاء تحقيق انجازات لا لشعوبهم ولا لنصرة فلسطين او لبنان وانما لإرضاء واشنطن وعلى الفلسطيني واللبناني ان يدفع ثمن ذلك باللحم الحي.
في غمرة هذا يناقش الكونغرس الامريكي مشروع قرار يقضي بالسيطرة الإسرائيلية الكاملة على المسجد الاقصى (جبل الهيكل وفق مفرداتهم) مع السماح لإصحاب الديانات الاخرى بممارسة طقوسهم الدينية في الاماكن والاوقات التي تحددها دولة الاحتلال ولم نرّ او نسمع من اهل السنة والجماعة من يعترض او ينتقد ذلك.
تعرف المقاومتين اللبنانية والفلسطينية الدرس المستفاد من عام 1982 عندما سلمت المقاومة الفلسطينية سلاحها وغادرت بيروت بضمانة من الولايات المتحدة وكانت النتيجة مذابح صبرا وشاتيلا، وما الضغط العربي على المقاومة لتسليم السلاح وحل اجهزتها العسكرية الا اسم اخر للاستسلام الكامل، ولتحقق بالحيلة ما لم تستطع الحرب تحقيقه بالقوة

