اليوم الثاني للحرب بين احلام العدوان وصمود المقاومة

ما حدث في نهاية هذه الحرب خاصة اثناء وبعد مؤتمر شرم الشيخ من نشاط امريكي مباشر، فقد أصبح من الجلي ان الولايات المتحدة هي من ادار الحرب في غزة وعليها، ولا نتحدث هنا عن الرئيس ترامب وخروجه عن مألوف الخطاب السياسي والسلوك المعروف للقادة ورؤساء الدول، بقدر ما نتحدث عن الإدارة الأمريكية أو ما يمكن تسميته بالدولة العميقة هذا وان امتلكت حكومة الاحتلال هوامش محدودة منحتها اياها الإدارة الأمريكية وبقيت تحت سيطرتها.

الصحافة (الإسرائيلية) بدورها لا تتوقف عن الحديث عن الدور الامريكي المعلن، فحسب اخبار وكالة كان العبرية يبدو الأمر وكأن (اسرائيل) قد أصبحت محمية أمريكية فلا شيء يحدث في غزة دون علم واشنطن وموافقتها، ولا شيء ممكن ان تقدم عليه تل ابيب خارج عن ارادة الادارة الأمريكية الا بمقدار الهوامش الممنوحة لها.

يمكن ملاحظة ذلك في رغبة الحكومة الإسرائيلية بعرقلة السير في المرحلة الثانية والاكتفاء بالمرحلة الاولى عن طريق خلق وقائع واستدراج المقاومة لكي تبدو وكأنها من خرج عن الاتفاق، وفي حين تريد مصر ادخال قوات عربية واجنبية لغزة لا زالت اسرائيل ترفض ذلك بحجة ان المقاومة لا زالت تماطل في تسليم جثث القتلى الاسرائيليين، والجميع الان بانتظار الموقف الحاسم الذي ستتخذه واشنطن ،وهو ليس بالضرورة منسجم مع رؤية حكومة نتنياهو بقدر ما هو تقدير الإدارة الأمريكية لمصالح اسرائيل الحقيقية والتي ترى انها تعرفها اكثر مما يعرفها نتنياهو وفريقه.

وفي حين تريد اسرائيل سحق المقاومة ونزع سلاحها وطرد اهل غزة أو غالبيتهم، الا ان النظرة الواقعية لدى الإدارة الأمريكية والتي تريد المحافظة على اسرائيل وحمايتها فهي ترى غير ذلك فلا احد قادر على ان يحل مكان المقاومة في غزة واي فراغ سينشئ عن غياب المقاومة عن المشهد سوف تملأه جماعات صغيرة وذئاب منفردة، اكثر تطرفا ودموية خاصة في مجتمع اصبح مليء بالأيتام أو من  فقدوا كامل عوائلهم وشاهدوا الحرب واهوالها، وفي حين لا احد يرى ان السلطة الفلسطينية في رام الله قادرة على ملئ الفراغ وكذلك اية قوات شرطة (بوليس) عربية لن تستطيع ذلك فيما العساكر التي ستاتي إلى غزة لن تعمل كقوة امن داخلي.

في هذا السياق يمكن ملاحظة الاخبار التي تتوارد من غزة فقد نشرت المقاومة قرابة 7000 رجل شرطة لضبط الامن الداخلي ومعاقبة ومطاردة العملاء الذين فقدوا وظيفتهم لدى الاحتلال الذي تخلى عنهم، وكذلك لضبط  الاسواق واسعار المواد الغذائية التي كان قد احتكرها الجشعين من تجار الحرب كما استطاعت ادارة الحياة المدنية من خدمات البلديات وبعض خدمات الماء والكهرباء وجمع النفايات واعادة البنوك للعمل، هذا كله يعاكس التقديرات والاهداف الإسرائيلية التي لم تستطع الاعتراض بشكل مباشر على ذلك وانما تلجا لعرقلة الوصول إلى المرحلة الثانية من الاتفاق.

اثار ما تقدم السؤال عند أحد جنرالات الاحتلال العاملين في مجال الامن و الاستراتيجيا و الذي كان في طليعة من نظّر لسحق المقاومة لا بل ورأى ان ذلك هو تحصيل حاصل لنهاية الحرب وان اليوم الثاني للحرب لن تكون به اي شكل من اشكال المقاومة لا بالمعنى القتالي العسكري ولا بالمعنى الفكري والثقافي.

هكذا جاء اليوم الثاني للحرب بشكل مختلف اما اراده الاسرائيلي ونظّر له الجنرال المذكور، فالمقاومة باقية لا بل واستردت بعض قدراتها على الاقل في مجال الإدارة المدنية والسيطرة على مفاصل الحياة في غزة وبالتعاون مع جهات اممية وشيء بين الرضا وغض الطرف من قبل الولايات المتحدة.

لا يرى الجنرال الاسرائيلي من تفسير لذلك الا بالمعلومات المتواترة عن اتفاق تركي امريكي وربما قطري ايضا يمنح حماس هذه القدرة فوجهة النظر التي قدمتها تركيا وقطر للإدارة الأمريكية تقول ان اي فراغ في غزة سيعود بالضرر على كامل العملية وعلى منجزات الرئيس ترامب وان المقاومة فقط من يستطيع ان يملا هذا الفراغ الامر الذي يمنح المقاومة مشروعية لم تكن تملكها قبل الحرب.

بهذا تكون اسرائيل قد استطاعت ترسيخ صورة قدرتها على التدمير والقتل والتدمير وبما يصل إلى حد الإبادة الأمر الذي أدى إلى مظاهرات مليونية ضدها في سائر ارجاء المعمورة، وسيكون لها دور في عزلها ان لم يكن بالمدى القريب فبالمدى المتوسط فيما ربحت المقاومة بقائها ومشروعيتها ومظلوميتها ومعركه الوعي والسيادة هذا هو اليوم الثاني للحرب حتى الان.