في كتابه الصادر حديثا «أدونيس في الحزب القومي» عن دارالفرات، يحدد د. سليم مجاعص الغرض منه:« هو مواكبة تراث أدونيس الشعري والنثري، من بداية اتصاله بالحركة القومية، حتى تنكّبه مسؤولية تنظيمية في عمدة الثقافة وفي مطبوعات الحزب وما بعد». ويضيف:« أنّ نتاج أدونيس الشعري والنثري كان غزيرًا ومتجذّرًا في الفكر القومي السوري.». ويختم:«. هذا العمل هو في الواقع فعل محبة وفعل شكر؛ محبة لشاعر تكلّم لغتنا الفكرية العقدية، وشكر له لما قدّمه لنفوسنا وعزائمنا في فترة من حياته الفكرية...»
يقسم الكاتب نتاج أدونيس الى قسمين: الشعر والنثر .سنتناول في هذا الجزء عرض النتاج الشعري على ان نعرض النثر في الجزء القادم.
بدايات شعر ادونيس كانت في مجلة القيثارة فقصائده المنشورة، كانت فيها. يقول ادونيس: «كانت مرحلة اللاذقية غنية جدًا، اكتسبت في أثنائها لقب» «أدونيس»، وبرز اسمي في الأوساط الأدبية، وبدأت أنشر في مجلة للشعر اسمها «القيثارة». وهي أول مجلة خاصة بالشعر تصدر في سورية، كان يرأس تحريرها جماعة من القوميين حيث لمسوا في موهبة الشعر، وأحاطوني برعاية كبيرة. نشروا قصائدي، وجعلوها موضع تقويم ومناقشة ونقد. وبعد عام 1950 صرت أبعث بقصائدي إلى سعيد تقي الدين وهو أول من نشر لي في مجلة (الآداب).
اذأ في «القيثارة» نشرأدونيس خمس قصائد على صفحات «القيثارة» بين أيلول 1946 وأيار 1947.
المرحلة الثانية: قصيدة اليتيم. يقتبس الكاتب عن أدونيس: عام 1947، أعلنت جمعية «العروة الوثقى» في الجامعة الأميركية في بيروت عن مسابقة أدبية لمناسبة عيد اليتيم. سمعت عنها، وأنا الطالب في الصف الأول ثانوي فاشتركت، وكان حظي أن فزت بالجائزة المذكورة. وعندما مضى أدونيس إلى بيروت لإلقاء قصيدته، التقى بسعاده الذي، وفق تصريح أدونيس، كان يحبه.
القصيدة الثالثة عنوانها «قافلة المجد»: في 15 تموز 1948 أنهي كتابة قصيدة جديدة عنوانها «قافلة المجد» حيث أهداها «إلى زعيمي»، الذي منذ عرفته عرفت قيم الحياة: الحق والخير والجمال. ظهرت في العدد الرابع من مجلة «النظام الجديد» التي كان يشرف عليها سعاده، مع مقدمة قصيرة منه.
تحمل «قافلة المجد» أمانة متينة للوطن والعقيدة السورية القومية الاجتماعية، وإيمانًا عظيمًا بالزعيم والنهضة العظيمة التي بعثتها تعاليمه، وجمالًا متساميًا في المرامي الروحية.
القصيدة الرابعة: عندما زار سعاده اللاذقية ضمن جولة على المدن الشامية، شملت دمشق وحمص وحماه وحلب، في خريف سنة 1948، شارك أدونيس في حفل استقبال زعيم الحزب السوري القومي، وألقى قصيدة طويلة (من خمسة وخمسين بَيْتًا) تبع فيها أسلوبه في «قافلة المجد».
القصيدة الخامسة «دليلة». ففي الأول من آذار سنة 1950، ينشر أدونيس قصيدة دليلة، ويوجّه الإهداء إلى «بنات أمّتي العاملات لمجد سورية وعظمتها». ُنشرت، على ما نعلم، مرّتين في كرّاس أو كتيّب من ثلاثين صفحة، وأجزاء منها على صفحات “الجيل الجديد” جريدة الحزب السوري القومي الصادرة في دمشق في أوائل الخمسينات
كتب عن حدث توراتي يهودي قديم. بدأ قصيدته معلنًا عظمة بلاده جاء يعكّر صفو حياتها شمشون العتيّ الذي انتصر لليهود، وعجز الفلسطينيون عن ردعه. ويصوّر أدونيس شمشون بالرعب، الجحيم، السعير والزئير. هكذا عكس الشاعر القصة التوراتية. شمشون هو تمثّل الشر، قاتل الأطفال، ذابح النساء، النهّاب، السرّاق، المعتدي، القوة المدمرة التي يجب الحد من انفلاتها وإنقاذ الأرض منها. اذن شمشون ودليلة في حالة التضاد. يُدخل أدونيس إلى مضمون قصيدته دور الأنوثة المتميزة في التاريخ السوري، وعبر هذا الدور يربط بين الرموز الأنثوية من أوغاريت إلى صور وإلى غزة، أي على طول الساحل السوري. «أناة»، و«ديدون» هي أليسار الأميرة السورية، و«عنات» و«أليسار» أيقونتان كنعانيتان، تمثّلان الأنوثة العاملة في سبيل الخير العام. وإليهما تنضم «دليلة»، هي أيضًا من أرض كنعان، وتمثّل أيضًا الأنوثة المنتصرة لأجل الخير العام
ملحمة سعاده: في الأول من آذار 1951، في الاحتفال بمولد سعاده الذي أقيم في دمشق، يطل أدونيس على رفقائه بقصيدة هي بداية «ملحمة سعاده.»
يفتتح أدونيس قصيدته برسم رؤية أسطورية جميلة، حيث يتصوّر جمعاً من الإلاهات يسرن سوية نحو هدف على الأفق، وهنّ يتهامسن حول حدثٍ ما. واستجابةً لموكب الإلاهات يبدو كأنّ الأرض تستجيب لهن، وتترقّب هي الأخرى أن ينكشف الحدث عن فحواه، وهو ولادة طفل! وهذا الطفل هو عطيّة سورية للعالم:
سوريا… سوريا… اشمخي فلقد
ووهبت التاريخ ملحمة حمراء
فأفاق الزمان يسأله عنها
أعرفت المطلّ من حدق الغيب
ذاك بدء التاريخ أول آذار
أعطيت للدهر كبرياء وزاده
صارت سلاحه وعتاده
ويروّي بخفقها آباده
ويوم الإطلالة الوقّادة؟!
وهذا ابنك العظيم سعاده
وبعد استجلاب هذه الصورة الأسطورية اللطيفة، ينتقل الشاعر إلى وصف أثر هذه الولادة في تاريخ سورية،
هو ذا فجرنا… رماح من الحق
مات في وهجه سراب الصحاري…
ومن روعة الجمال… عيون
وامّحى خلف رمحه… التنين!
ثم يلتفت الشاعر إلى مولود آذار، ويسمّيه، ويخاطبه:
يا زعيمي… وإن أنادك
أنت فينا… تحيا شبابًا من الحق
أنت في أرضنا زكيّ دماءٍ
لا ألمح موتًا ولا أرى أقدارا
ونورًا من الحياة ونارا
يغمر الكون بهجةً واخضرارا
وفي تموز من عام 1951، ينشر أدونيس مقطعًا من الملحمة، يعنونه “جرح تموز”. يتحدث فيه عن رمزية الحدث، والقوة الدافعة المنبثقة منه. فالجرح ليس مصدر ألم، بل منبع بطولات:
| جرح تموز ثورة تملأ الدنيا جرح تموز علّم الناس أن يحيوا | عطاء وقوّة وانتصارا كبارًا، وأن يموتوا كبارا |
وفي المقطع الأخير الذي وصلنا من الملحمة، يعطي أدونيس صوته لسعاده ليعبّر عن تجربته في تموز، ويعطي صوته للبحر الذي إلى جانبه استشهد سعاده ليكون شاهدًا على معنى الحدث:
آن لي أن أكون نفسي، أن أحيا وجودي وأمتي وبلادي
وأردّ التاريخ شهقة جوع تتغذى في مهجتي وفؤادي
سحر التراث السوري نذكر قصيدته “نانار”. وهو أحد أسماء إله القمر والحكمة في سورية الشرقية.. والقصيدة التي نحن بصددها، غنائية رشيقة، سهلة المعاني، لها وقع جميل يشابه الأدعية الدينية والصلوات لإله جميل جمال القمر يقول فيها:
ولهفة منقوشة في ستار
تحمل دفء الطهر، دفء الوقار
وترتمي ظمآنة في مزار
تسأل حبا ورفيق انتصار
قصيدة “يا صبايا بغداد” ألقت الآنسة عدوية طباع، عضو الاتحاد النسائي السوري في مؤتمر الاتحاد النسائي العربي في بغداد في أوائل آذار سنة 1952، ، هي من نظم أدونیس. قصيدة “حكاية الورد” يهديها إلى أخته، وفيها دعوة إلى الانخراط في الكفاح لأجل قضية الأمة. وفي قصيدة أخرى مهداة إلى أمه، جلّ كلامه فيها عن ارتباطه بقضية أمته التي أخذت جميع جهوده وقواه.
أما القصيدة الأهم فهي “قالت الأرض” كتبها بعد موت سعاده، وهي مهداةٌ إليه. قدّم أدونيس قصيدته تحت عناوين أربعة:
1-أول آذار.2 نحن حركة صراع. 3أزكى شهادة في الحياة هي شهادة الدم. 4إنّ طريقنا طويلة.
يسير بنا الشاعر على مدى بضع صفحات بلسان الأرض، يقارن بين ما كان، وما هو كائن، وما يمكن أن يكون. أحيانًا بلغة عادية أو خطابية تتخللها صور جمالية قليلة، حتى يصل بنا إلى القول:
| إنها الأرض في انتفاضٍ جديدٍ صاغه، وانتشى به آذار! |
فكما وصل بنا في «ملحمة سعاده» إلى مولود آذار
| قيل: كون يُبنى. فقيل: بلادٌ جُمِّعت كلّها فكانت سعاده! |
يؤرّخ أدونيس قصيدة «قالت الأرض» بين تموز 1949 وآذار 1954.

