نموذجان غربيان ترفع لهما القبعة مع غزة مقابل تجاهل عربي معيب

وسط غياب المواقف العربية الداعمة للفلسطينيين حيال المجزرة التي تعرضوا لها في قطاع غزة، لا بد من الحديث عن نموذجين غربيين للإنسانية في عصر الهمجية الصهيونية والهيمنة الأميركية، ترفع لهما القبعة والتقدير والاحترام. على بعد آلاف الكيلومترات هزتهما حرب الإبادة الجماعية والمجازر المرتكبة بحق الغزيين فعبّرا عن مواقف نابعة من الشعور بظلم المحتل «الاسرائيلي» الذي فاق كل ما يتخيله العقل عبر التاريخ.

الشخصيتان هما الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، والإسباني بيب غوار ديولا، مدرب نادي مانشستر سيتي لكرة القدم.  

الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو

تميز الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو بمواقفه الصريحة حيال الإبادة «الاسرائيلية» بحق الغزيين. هو الذي كتب إثر اتفاق وقف إطلاق النار في غزة «العودة إلى غزة. لقد انتصرت الإنسانية الآن». ليضيف «أصبحت الإنسانية تُدرك قوة الوحدة والتضامن. لولا النضال الإنساني، لما تراجع قتلة الأطفال».

حتى وهو يشارك في مظاهرة داعمة لفلسطين ومنددة ب «إسرائيل» بميدان تايمز سكوير في نيويورك، لم يهب الضغط الأميركي الذي يمارسه الرئيس الأميركي دونالد ترامب. في وسط المظاهرة قال غوستافو بيترو «إن ما يحدث في قطاع غزة هو إبادة جماعية بكل معنى الكلمة، ولا يمكن تفسيره بطريقة أخرى، الهدف هو القضاء على الشعب الفلسطيني». وكانت دعوته إلى توحيد جيوش الدول التي ترفض الإبادة الجماعية في قطاع غزة، من أجل حماية الإنسانية وتحرير فلسطين هو الموقف الأكثر وضوحاً من رئيس دولة كولومبيا.

ومن على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ80 في أيلول الماضي قال في خطابه «لقد دمر الفيتو الأميركي الأخير في مجلس الأمن الدولي كل آمال الدبلوماسية، يُظهر لنا التاريخ البشري أنه عندما تبقى الدبلوماسية دون حل، من الضروري الانتقال إلى المرحلة التالية»، مضيفاً «عندما تقع إبادة جماعية، تكون جريمة ضد الإنسانية قد ارتكبت، فلا بد من محاسبة المسؤولين»، ومؤكداً أن «أحداث غزة لم تعد مشكلة تخص الدول العربية أو السلطة الفلسطينية فحسب، بل أصبحت قضية مشتركة للبشرية جمعاء».

هذا الخطاب أثار حفيظة وزارة الخارجية الأميركية التي سارعت إلى الإعلان عن إلغاء تأشيرة الرئيس غوستافو بيترو على خلفية مواقفه الداعمة لفلسطين والمناهضة ل «إسرائيل». حيال هذا الإعلان لم يتوان الرئيس الكولومبي عن التصريح بأن الولايات المتحدة الأميركية تنتهك القانون الدولي. وليس لها الحق في إلغاء تأشيرة أي شخص سيذهب إلى الأمم المتحدة ليلقي خطاباً أو يتحدث حول مواضيع مطروحة على أجندة الأمم المتحدة. هذا هو القانون الدولي. إذا كان ترامب ينسى ذلك أو لا يخبره أحد أو لا يقرأ بنفسه، فعندها يجب أن يقرأه له أحد«. أكثر من ذلك، ذهب الرئيس الكولومبي في جرأته إلى تحدي الرئيس ترامب حين قال “إذا استمر الحال كما هو حتى الآن في التواطؤ مع الإبادة، فإن المكان الوحيد الذي يستحقه السيد ترامب هو السجن«. وعلى خط آخر دعا إلى اعتقال رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو أثناء زيارته للولايات المتحدة تنفيذاً لقرار المحكمة الجنائية الدولية.

على الصعيد الاقتصادي ذهب بيترو إلى الإعلان أن اتفاقية التجارة الحرة المبرمة مع الولايات المتحدة ستُعاد مراجعتها، بينما سيتم إلغاء اتفاقية التجارة الحرة الموقعة مع «إسرائيل».

مثل هذه المواقف لم يتفوه بها معظم القادة العرب الذين غضوا الطرف عن المجازر في غزة، لا بل تجاهلوها وكأنها لم تجرِ.   

بيب غوار ديولا

مدرب نادي مانشستر سيتي لكرة القدم الإسباني بيب غوار ديولا، هو الشخصية الغربية الثانية الذي تميز بمواقفه الداعمة للفلسطينيين ووقف المجازر بحق الغزاويين. لم يخش على منصبه يوماً، ولا تأثر بالضغوطات. عوّل على المجتمع المدني المنظم حين دعا سكان برشلونة الإسبانية إلى الانضمام للمظاهرات الأسبوع الماضي من أجل المطالبة بوقف الإبادة الجماعية في غزة. هذا المجتمع برأيه «يمكنه إنقاذ الأرواح والضغط على الحكومات للتحرك فوراً قائلاً» نحن نشهد إبادة جماعية على الهواء مباشرة، قتل آلاف الأطفال وآخرون قد يلقون نفس المصير، قطاع غزة مدمر، وجموع من الناس هائمون بحثاً عن طعام أو مياه صالحة للشرب أو أدوية«.

سبق لغوار ديولا التعبير عن تضامنه مع الفلسطينيين في غزة، وألقى في حزيران الماضي خطاباً خلال حفل أقيم بجامعة مانشستر بعد منحه درجة الدكتوراه الفخرية تكريماً لما قدمه لمدينة مانشستر منذ عام 2016 سواء داخل الملعب أم خارجه. قال في خطابه «نحن في صمت تام أمام مشاهد العنف التي نراها، وأشعر بحزن عميق لسقوط الأبرياء في أوكرانيا والسودان وغزة». وتابع إن «ما نشاهده في غزة أمر مؤلم للغاية، هذا يؤلم جسدي.. نشاهد وفاة الآلاف من الأبرياء والأطفال ومعاناة الآلاف من العائلات بسبب أحداث العنف»، مضيفاً «أنا مرعوب للغاية لما يحصل في غزة، الناس تقول إننا نعيش في مكان بعيد، لكن الأمر لا يتعلق بالأيديولوجيا، بل بالإنسانية».

كان من الطبيعي أن يُقابَل موقف غوار ديولا بهجوم «إسرائيلي» واسع، إذ قال وزير الثقافة والرياضة «الإسرائيلي» «معك حق يا بيب. سيكون أطفال أوروبا التاليين في قائمة المنظمات الإرهابية الإسلامية. لقد أوضحوا سابقاً أنهم بعد أن ينتهوا من «إسرائيل»، سينتقلون إلى بقية العالم الحر. إذا خسرت «إسرائيل»، فأنت التالي. ومن جهتها انتقدت هيئة البث «الإسرائيلية» غوارديولا لأنه «لم يذكر كلمة واحدة عن الرهائن» الإسرائيليين « في القطاع، لكنه تحدث بإسهاب عن سكان غزة».

هذان نموذجان لمواقف غربية حيال الإبادة الجماعية في غزة، يواجهان الحالة الوحشية التي مارسها ويمارسها العدو الصهيوني منذ نشأة كيانه وحتى اليوم رغم أي “اتفاق سلام” يدّعي التوصل إليه بمباركة ترامب.