التعاطي مع الأطفال عند وقوع الطلاق.. خطوات ضرورية

التعاطي مع الأطفال عند وقوع الطلاق.. خطوات ضرورية

يُعتبر لبنان البلد الخامس بالترتيب بين محيطه بنسبة طلاق تصل إلى 34%. ويعدّ الطلاق من أصعب الأمور التي يختبرها الأطفال، حيث يؤدّي إلى شعورهم بمشاعر متضاربة من الغضب والقلق ممّا ستؤول إليه حياتهم الجديدة. فالتعامل مع الأطفال عند وقوع الطلاق بين الأهل يتطلّب حرصًا شديدًا، خاصّة إذا كان الأطفال في سنّ صغير لا يسمح لهم بتقبّل الأمر بشكل عقلاني. وعلى الرغم من صعوبة هذه الفترة على الأطفال، إلّا أنّها من الممكن أن تصب في خانة مصلحتهم المستقبليّة، بإبعادهم عن جوّ الخلافات والانفعالات بين الآباء، بما فيها من انفعالات واعتداءات لفظيّة وحتّى جسديّة.
لانفصال الوالدين آثار سلبية عديدة تختلف من طفل لآخر بحسب طبيعة كل طفل ونضجه وسنه. وقد يظنّ الآباء بأنّ الأطفال في السن الصغير لا يتأثّرون، لكنّ الواقع أنّهم يدركون جيّدًا ما يدور حولهم، ويظنّون بأنّهم السبب لحدوث الانفصال، ويشعرون بالذنب وتأنيب الضمير الذي قد يقودهم إلى الانطوائية والشعور بالاكتئاب أو أعراض سيكوسوماتية (جسدية) مثل التبوّل اللا إرادي واضطرابات في النوم والاكل.
بعض الأطفال يدخلون في حالة من الصمت كردّ فعل وذلك مراعاة لشعور والديهم، فيحتفظون بمشاعرهم ويكتمونها، من أجل عدم لفت انتباههم والشعور بالحزن عليهم. أمّا البعض الآخر فيتظهّر رد فعلهم من خلال الانفعال والعدائية للتعبير عن مشاعر الغضب والحزن نتيجة هذا الطلاق.
كما يظنّ الأطفال أنّ والديهم سيتوقفان يومًا ما عن حبّهم كما توقّفا عن حبّ بعضهما البعض، مما يسبب لهم القلق وعدم الشعور بالأمان.
أما المراهقون، فعادةً ما يشعرون بالقلق والاكتئاب، وقد يصل بهم الأمر لكره أحد الوالدين والظن بأنّهم سيمرّون بنفس التجربة يومًا ما.
هذا على الصعيد النفسي، أمّا على الصعيد الاجتماعي فيظهر تأثير الطلاق على علاقاتهم الاجتماعية حيث تتضح الصعوبة في التعامل مع الغير والميل للإنطواء وعدم الشعور بالأمان العائلي، بالإضافة إلى التأثير على التحصيل الدراسي وتعرّض الأطفال لتشتّت في التركيز، وذلك نتيجة الأحداث المرافقة لمرحلة الطلاق خاصّة في حال تغيير السكن والمدرسة. كذلك يؤثر على حياتهم العاطفية وذلك بإحساسهم المتضارب بين الشعور بالغضب والقلق من ناحية، والشعور بالارتباك من ناحية أخرى. أمّا بالنسبة للمراهقين، قد تظهر انحرافات وعدائية في السلوك عن طريق مشاركتهم في الجرائم وإدمانهم على التدخين أو تناول عقاقير مضرّة بالصحّة.
في حال اتخاذ قرار الطلاق من قبل الأهل، يُنصح بإخبار الطفل قبل وقوعه وذلك باستخدام كلمات مناسبة لسنّه، مع تقديم أسباب الطلاق بطريقة مختصرة وواضحة له. بالإضافة إلى إعلامه بالتغييرات التي ستحدث نتيجة هذا الانفصال، مع التعبير عن استمرارية الشعور بالحب تجاهه بالرغم من كل ما سيحصل.
كذلك يُنصح بإطلاع مربّي الطفل في المدرسة على حالة وتفاصيل الطلاق ليكون على علم بالظروف التي يمرّ يها الطفل واتخاذ الإجراءات المناسبة لدعمه في هذه المرحلة.
أمّا بالنسبة لطرق التعامل مع الأطفال بعد الطلاق، ولمساعدتهم على تخطي الصعوبات المترتّبة، ينصح بالخطوات التّالية:

  • حثّ الأطفال على التعبير عما يشعرون ويفكرون به، واستمرارية التواصل معهم والاهتمام والتركيز عليهم لتوليد شعور الأمان لديهم.
  • محاولة تربية الأولاد ضمن الأبوة والأمومة المشتركة إن أمكن، لما لها من تأثير إيجابي على صحة الطفل النفسيّة. وحتى في حال حصول طرف (الأب أو الأم) على الحضانة، يجب أن يظل حضور الطرف الآخر موجودًا في حياة الطفل.
  • الابتعاد عن محاولة إثبات أفضليّة أحد الطرفين على الآخر أو تشويه صورة الطرف الآخر أمام الطفل مما يسبب تشتته.
  • الابتعاد عن استخدام الأبناء كوسيلة لنقل المعلومات بين الآباء، بل استبدالها بالتواصل المباشر.
  • تجنّب طرح المشاكل العائليّة والأمور المالية ومناقشتها بوجود الأبناء، بل إظهار الاحترام المتبادل أمامهم، وعدم انتقاد أو إهانة الطرف الآخر.
  • اتباع سياسة واحدة من قبل الأم والأب لنظام التربية والمعايير السلوكية المقبولة بالإضافة إلى نظام المكافآت. كذلك عدم المبالغة في تعويض الطفل عن الحياة التي خسرها نتيجة الطلاق، كأن يبالغ الآباء بالتراخي لأبنائهم أو السماح لهم بالحصول على كل ما يريدون والاستجابة الفورية لطلباتهم.
  • الوفاء بالوعود للطفل لبعث الطمأنينة والأمان في نفسه، فذلك يولّد ثقة بالوالدين والشعور بالحب والاستقرار. كذلك فإنّ الحفاظ على روح المرح والدعابة والضحك بين الآباء والطفل يؤثر بطريقة إيجابيّة على حالته النفسية وإشعاره بالأمان.

أمّا في حال مرور وقت على وقوع الطلاق ولم يُظهر الطفل تأقلمًا مع الوضع الجديد، بل استمر وجود أعراض اضطرابات في صحته النفسية كاضطرابات النوم والأكل ومشاكل بالتحصيل الدراسي وبالتركيز والعدوانية والشك بتعاطي المخدرات لدى المراهقين، يُنصح باللجوء إلى طبيب أو أخصائي نفسي لتقديم المساعدة المناسبة.

ريما كسر – أخصّائية ومعالجة نفسيّة