منذ عقود غير بعيدة، بدأ العالم يشاهد على الشاشات انتاجات أفلام ومسلسلات أميركية وعالمية، تحاكي المستقبل وتتنبأ به. وبالتزامن مع هذه الإنتاجات، أخذت وسائل التواصل تتناول مشاهد من الحلقات الكرتونية لعائلة سيمبسون الشهيرة والتي تحكي عن أحداث سياسية وانقلابات عسكرية في بلدان العالم، تحصل في المستقبل بشكل كاريكاتيري ساخرلا يخلو من الاستهزاء والبذاءة وذلك لأغراض مشبوهة لم تعد خافية على أحد.
يعتقد البعض أن حلقات سيمبسون الكرتونية تصنع بعد حصول الحدث ويقال إنها عرضت قبل حصول الحدث السياسي العالمي، ومن يدري مدى صحة ذلك، فلا نستطيع التأكيد والنفي لبث هذه الحلقات في التواريخ.
لكن ما هو أكيد على الصعيد النفسي لدى الإنسان عموما يثبت أنّه مغرم حتى الثمالة بمعرفة الغيب، كما يتشوّق لقراءة المستقبل ويحلم بعالم جديد خال من مشاكل الحاضر وتعقيدات الحروب والنزاعات غير مدرك أنّه مع تقدّم الأيّام سوف تتواصل الحروب وتزداد حدّة، وتتحوّل الى حروب إلكترونية وسيبرانية متطوّرة ومعقدة جدا ومعها تزداد الخطورة وتتشابك النزاعات وتاليا النتائج والتبعات المؤسفة.
أمّا السينما والتلفزيون فقد استهلكا كل المواضيع التي تناولتها الكتب والروايات
و« زادوها» الامريكان كما يقال خاصة في أفلام الكوارث الطبيعية والحروب
وسقوط عواصم العالم تحت وطأة هجمات إرهابية واحتلال دول لدول أخرى كان أشهرها فيلم الفجر الأحمر Red Dawn الذي صوّر مرّتين : المرّة الاولى في الثمانينات وهو يصوّر هجوم الإتحاد السوفياتي على القارة الأمريكية واحتلال الولايات المتحدة تحديدا ، ومرّة ثانية من عدة سنوات ، ولكن في هذا الجزء الثاني كان المهاجمون من كوريا الشمالية، ولو أنّ الإتحاد السوفياتي الشيوعي قد سقط فقد بقيت كوريا الشمالية تشكّل تهديدا قويا للولايات المتّحدة الأمريكية و هي المرشّحة الدائمة «سينمائيا» للعب هذا الدور المهدّد و الاستفزازي لسلام الأمريكان و بلادهم «أرض الحرية والديموقراطية والسلام والتقدم» !
من بين المسلسلات التي يشاهدها الناس بالملايين حول العالم في الآونة الأخيرة:
مسلسل Zero Day، أو يوم الصفر، وهو مسلسل درامي وإثارة سياسيّة أمريكي، من تأليف إريك نيومان ونوح أوبنها يم ومايكل شميدت، وإخراج ليزلي لينكا جلاتر. تدور أحداث المسلسل حول رئيس سابق للولايات المتحدة يُعيّن لقيادة تحقيق في هجوم إلكتروني ضخم تسبب في كوارث متعددة على مستوى البلاد، هذا المسلسل يطرح تساؤلات حول كيفية اكتشاف الحقيقة في ظل تدمير العالم من قوى لا يمكن السيطرة عليها، بالإضافة إلى التفكير في مدى تأثير نظريات المؤامرة على المجتمع كما يتزامن عرض هذا المسلسل مع حصول هجمات سيبرانية في كل أنحاء العالم على المطارات ومصالح الدول من مراكز إدارية وحكوميّة ، وكأن منتج هذا المسلسل هو وراء كل ما يحصل و يريد بذلك الترويج له من خلال خراب العالم وتعطيله !
لا بدّ لنا من أن نذكر أن روبرت دي نيرو الممثل العجوز المخضرم يمثّل في هذا المسلسل حيث يتقصد المخرج توجيه أصابع الاتهام الى الرّوس، أنهم وراء تعطيل الانترنت في كل الأراضي الأمريكية، وفكرة أن هجوما آخر مثل هذا سيؤدي الى فناء أميركا، فلذلك على الحكومة بذل كل ما بوسعها لمنع حصول الكارثة، ويدخل في روع المشاهد هذا الرعب الكبير من الروس، وعليه بات محتوما إلغاء هذا العدو وتصفيته لكي تبقى أميركا !
وثمّة مسلسل آخر يعرض حاليا على نيت فليكس: «ذا إكسبانس« (The Expanse) و هو مسلسل خيال علمي درامي أمريكي، يتناول موضوع الصراع بين الطبقات والاستعمار والسيطرة في المستقبل البعيد حيث سيطر البشر على النظام الشمسي.
تدور الأحداث حول مجموعة من الأبطال منهم مسؤولة تنفيذية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومحقق الشرطة يوسيفوس ميلر وضابط السفينة جيم هولدن وطاقمه الذي يكشف المؤامرة التي تهدد السلام في النظام وبقاء البشرية! هذا إذا بقي هناك من بشر في المستقبل على ضوء ما يحصل من حروب ونزاعات في كل مكان حول العالم …
يُظهر هذا المسلسل بوضوح الصراع بين الفصائل الثلاث الرئيسية: الأرض، المريخ، والحزام الشمسي، وكيف يمكن لعدم المساواة والظلم أن يؤديا إلى الصراعات والحروب في الكون.
كما يناقش المسلسل تداعيات استعمار البشر للنظام الشمسي، وكيف يمكن للاستعمار أن يُساهم في استغلال الموارد وتهميش بعض الفئات.
ولنقل باختصار أن الوضع في المستقبل لن يكون مختلفا كثيرا عن الوضع الذي نعيشه الآن إذ يسعى الأبطال لتحقيق العدالة، وكشف الحقيقة، وإنقاذ البشريّة من الخطړ.
كما يُظهر المسلسل أن التعاون والتسامح هما الحلّ الوحيد لضمان مستقبل أفضل للبشرية.
المسلسل هو أساسا مقتبس عن عمل أدبي مؤلّف من سلسلة روايات تحمل نفس الاسم للكاتب جيمس إس إيه كوري، ويتكوّن من 6 مواسم و62 حلقة، وانتهى عرضه عام 2022.
في هذا المسلسل رسالة واضحة أن العنف البشري والطمع والاستئثار والحروب والتنافس سوف تبقى الى أبد الدهر بين البشر حتى ولو ملكوا «نجوم السماء»، حيث لن يبدل المستقبل شيئا في طبيعة الانسان مع كل التقدّم والاكتشافات والتكنولوجيا!
لقد جلبت صناعة الأفلام فرصا كبيرة للإنسان وحققت الأحلام وحلّقت بالخيال بعيدا كما سمحت للمشاهد أن يسافر عبر الزمن فيعود إلى الماضي ويبحر نحو المستقبل، ولكن السينما الأمريكية عمدت إلى التهويل والتخويف وبثّ الرعب في روع المشاهدين وأودّ أن أذكّر بمقولة يردّدها المصريون:
«يلّي يخاف من العفريت يطلعله».
وعلى ما يبدو أن كثرة تصوير هذا النوع من الأفلام سينتهي بكوارث لا ريب في ذلك، وستندلع حروب لا تنتهي. لقد بدأ جبابرة العالم وقادته السياسيون، المرضى في عقولهم يحضّرون لسيناريو الفناء كما لوانهم يحضّرون لسيناريو فيلم هوليوودي مليء بالعنف والدماء كما لو أنّه انعكاس للعتهِ والجنون في ذاتهم القاتلة..

