في حضرة شهداء الأردن، لا مكان للمجاملات ولا للرماديات

ناهض حتر رجلٌ لم يكتب كي يُعجب، بل كي يُستهدف. لم يُرِد وساماً، بل مواجهة. كان يعرف أن القلم في هذه المنطقة سلاح، وأن من يشير إلى العدو الحقيقي، سيدفع الثمن. دفعه ناهض راضياً، لا مكسوراً. قتلوه لأنه فضح المشروع، لا لأنه كتب مقالاً. قتلوه لأنه قال: إن «إسرائيل الكبرى» تبدأ من تمزيق فلسطين، ولا تنتهي إلا بابتلاع عمّان، وبغداد، ودمشق، وبيروت.

 العدو لم يُخفِ نواياه، بل نحن من توهّمنا أن الاحتلال يمكن أن يصبح جاراً.

اليوم، مشروع «إسرائيل الكبرى» يُنفَّذ بصمت: بصفقات الغاز، باتفاقيات «السلام»، بإفقار الشعوب، بتجفيف وعيها، بنقل المعركة من الخنادق إلى الأسواق والمناهج والإعلام.

والأردن ليس خارج الحسابات… بل في قلبها.

العدو لا يرى في الأردن دولة، بل جسراً للهيمنة، وساحة لضرب ما تبقى من فلسطين. وإذا لم ينهض الأردني من غفوته، فستكون المعركة على هويته وحدوده وكرامته.

وهنا لا بد أن نعيد لشعار «كل مواطن خفير ضد العدو الصهيوني» معناه الحقيقي:

لكن ليس خفيراً بالكلمات، بل بالفعل:

بمقاطعة كاملة وشاملة لكل ما يمتّ للعدو بصلة.

بطرد كل مظاهر التطبيع من مدارسنا ونقاباتنا وإعلامنا.

برفع الصوت في الشارع، لا على مواقع التواصل فقط.

ببناء لجان شعبية في كل حي وقرية ومخيم ومدينة تراقب وتواجه وتُربّي وتُقاوم.

بتثقيف الأجيال على أن فلسطين هي بوصلتنا، لا خلافاتنا الداخلية.

بتسمية الأمور بأسمائها: العدو عدو، والمتواطئ خائن، والمطبع شريك في الجريمة.

في غزة، حيث أراد العدو أن يزرع الهزيمة، نبتت المقاومة. رغم الحصار، والدمار، والتواطؤ العربي، غزة ما زالت تقاتل وحدها… وتنتصر باسم الجميع.

عامان من الحرب لم يكسراها. وغزة اليوم لا تقف فقط، بل تُبادر، وتُربك، وتُرعب.

وفي لبنان، ظنّ العدو أن الضربات المتتالية ستكسر شوكة المقاومة، لكن المقاومين هناك يعرفون من هو العدو، ولا يساومون. استعادت المقاومة قوتها، وأعادت فرض معادلة الردع. حزب الله اليوم ليس مجرد قوة لبنانية… بل جزء من ميزان الشرق كله.

وفي اليمن، حيث يُظن أن الجوع يُخرس، تتكلم الصواريخ.

صنعاء التي حوصرت، اخترقت الحصار، وضربت مصالح العدو في البحر وضربت مدنه.

اليمن اليوم يثبت أن المقاومة ليست جغرافيا، بل إرادة.

أما في العراق، فأرض الرافدين عادت لتتذكر البوصلة، فصائل المقاومة هناك ترفض أن يُستخدم العراق ممراً للمشروع الصهيوني، وترفع الراية مع فلسطين، ومع لبنان، ومع كل مقاوم شريف.

ولهذا، فإننا من هنا، من ضريح ناهض، من قلب الأردن، نطلق نداءً واضحاً لا لبس فيه:

آن الأوان لتشكيل جبهة مشرقية موحدة. جبهة لا تؤمن بالبيانات، بل بالفعل.

تضم القوى المقاومة من الأردن، فلسطين، لبنان، العراق، سوريا، اليمن.

تواجه مشروع «إسرائيل الكبرى» بوصفه الخطر الوجودي الأول.

وهذه الجبهة ليست فكرة مؤجلة، بل واقع بدأ يتشكّل.

فها هو عبد الباسط القيسي، ابن الأردن، يختار أن يكون في الصف الأول من المعركة.

ينفّذ عملية بطولية رداً على جرائم الاحتلال، ويُعيد المعنى الحي لشعار المقاومة.

لم ينتظر بياناً، ولا غطاءً سياسياً.

كان يعرف، أن العدو لا يفهم إلا لغة الفعل.

أن الرصاصة في وجه المحتل تُكمل ما بدأه القلم في فضح مشروعه.

وأن المقاومة هي السبيل، لا المجاملة، ولا الصمت، ولا التعايش مع القتل.

تحية لعبد الباسط القيسي…

فهو لم يكتب مقالة… بل كتب بالرصاص ما آمن به الشهداء.

جبهة تؤمن أن ما لا يُحرَّر بالقوة، لن يُحرَّر بالتمنّي.

وأن العدو لا ينسحب من أرض… بل يُنتزع منها بالقوة. نقول اليوم: المجد لغزة…

المجد للبنان…المجد لليمن…المجد لكل مقاوم يرفض أن ينحني،

والمجد لأردن لا يُركع والمعركة لم تنتهِ… لكنها بدأت تُؤتي ثمارها. ونحن على الطريق ماضون.