والكيل بمكيالين

يصادف هذا الأسبوع مناسبات ثلاثة، مجزرة صبرا وشاتيلا، مجزرة البايجر، ثم قمة الدوحة فأي توصيف يمكن ان يطلق على الثلاثة، مجزرة صبرا وشاتيلا بعد أكثر من أربعين عام على وقوعها، أنهت مرتكبها شارون، الى لجان تحقيق لم تهدأ ثم دفعته بعدها خارج غزة وتركته لاحقاً وهو أشرس وزير حرب للعدو، اسير لعنتها تلك، على أحد أسرة مستشفيات دولة العدو، نتيجة جلطة دماغية عانى منها لثماني سنوات عاجزاً و«معقوراً» يأكله الدود وهو حي.

اما مجزرة البايجر والمفارقة ان نسبة ضحاياها تعادل ضحايا صبرا وشاتيلا، أي نحو الخمسة الاف، هؤلاء بعد عام على وقوعها يقولون للعدو «تعافينا» ونقول لهم نحن جراحكم جراح اعزاء وأنتم في قلب الشعب الحر ولو تجاهلتكم حكومة بلدكم دون اية لفتة لا اجتماعية او قانونية، تدين العدو فيها بجريمة حرب موصوفة. اما قمة الدوحة، حيث الخيار العربي والإسلامي للمواجهة بالديبلوماسية، اجتمعوا خمس وسبعون دولة، في قمة جامعة ليردوا فيها على «قمة النار» الإسرائيلية، وهو أسم العملية حيث اغارت على مقرات قادة المقاومة حماس، في الدوحة، اثناء احدى جولات التفاوض لأجل وقف الحرب في غزة، قطر الدولة المحمية من راعية الكيان الغاصب، وبجوار قاعدة «العديد» أكبر قواعد الولايات المتحدة الأميركية العسكرية في المنطقة واولها.

في الفعل «الإسرائيلي» ورد الفعل العربي بالقمم العالية النبرة دون فعل يمكن ان نجد الفرق بين نهجين، أنظمة الاستسلام جعلت من منبر قمتها، منصة لأقصى عبارات الاستنكار والادانة لكن دون المبادرة او التجرؤ على اية خطورة عملية او أي ردّ فعل عملاني رادع يوقف تمادي هذا العدو في ارتكاباته، حتى مع أنظمة ترتبط مع واشنطن باتفاقيات دفاعية.

لم يجرؤ هؤلاء القادة على سحب سفرائهم اواقفال سفاراتهم حيث توجد، لم يقطعوا علاقاتهم التجارية، لم يهددوا حتى باستعمال ترسانتهم العسكرية للدفاع عن بلدانهم وسيادتهم، حيث تصرف لها اعلى الموازنات. كما وانهم استمروا في الدعم التمويني والغذائي لدولة الاحتلال، بينما غزة تستغيث جوعاً يبيد اطفالها وأهلها في عداد يومي للموت لا يتوقف.

الإبادة وجرائم الحرب المستمرة ضد اهل قطاع غزة، لا يردعها أحد رغم استمرار المقاومة في تكبيدهم الخسائر، بعمليات توصف إعلاميا عند العدو «بالحدث الصعب» فيما يبقى اهل المقاومة مصرين على البقاء حيث هم يراوح نزوحهم داخل القطاع فقط انما من شماله الى جنوبه وحيث تقذفهم النيران.

انها المفارقة بين الأنظمة وشعوبها، أنظمة نجحت في كمّ افواه الشعب ومنعه من رفع صوته والتظاهر والاعتراض، وحتى انهم يدفعون الشعب الى تعرية المقاومة والانفكاك من حولها، كما يحاول ادعياء السيادة في لبنان.

وتغرق هذه الأنظمة من شرنقة ديكتاتورياتها وسيادتها المزعومة، منصاعة لتعليمات الأميركي ومبعوثيه، الذين هم جزء من المنظومة الصهيونية المهيمنة على مفاصل القرار الأميركي والمخالفة لتوجهات شعوب الغرب الرافضة بمعظمها لجرائم العدو وسرديته الدينية وقد بانت ممجوجة.

تكفي المقارنة البسيطة بين واقع الشعوب العربية وهي صاحبة القضية، وواقع الشعوب الغربية لكشف الحجم الهائل من الانصياع الموجع. استطاعت الشعوب في الغرب ان تعزل «إسرائيل» الدولة المغتصبة التي تبيد الفلسطينيين، وان تطوق شعبها في كل مجالات حياته خارج دولته، فرقه الرياضية لا تستكمل دوراتها وكذلك فرقها الفنية ونشاطاتها التي تعزّل وتقاطع كما يقاطع ديبلوماسييه، وينعتون بأنهم قتلة ومجرمين وعنصريين. هم الان سقطوا من ضمير العالم انهم ضحايا هولوكوست، وباتوا هم القتلة للأطفال ومرتكبي محارق للشعوب، لن يمحوها التاريخ.

في كل يوم في غزة وجنوب لبنان ينتصر الدم على سيف هذا العدو وداعميه وكل يوم يرتفع علم فلسطين في ساحات العالم اجمع، راية خفاقة، كانت منسية بفعل خنوع سياسييها وأنظمة العرب فاذا بها اليوم راية مرفوعة يريدون الانتهاء منها، لكنها بالمقابل تؤكد حقها بالحياة.

في العبرّ أيضا ان دول الطوق الذين يساقون كشاة الى الذبح على مذبح العدو، بدعم من الأحادية القطبية المهيمنة على العالم، يجري العمل على تحويل أجزاء منها الى مناطق عازلة (الجنوبين اللبناني والشامي)، تقضّم بقصد افراغها لطمأنه العدو لا غير.

وإذ يتغنى رئيس حكومة العدو نتنياهو، ان دولته هي اليوم اسبارطة القوية، فالحقيقة صحيح انها دولة الحروب والعسكرة كما كانت اسبارطة في التاريخ، لكنها ابدا ما كانت دولة رابحة، بالمدى البعيد، وسنقول عنها ما قاله التاريخ انها انتهت بالعسكرة، بينما بقيت جارتها أثينا، وبالمقارنة نحن من سيبقى امة الحضارة والنور والحق، حقنا في ارضنا وبلادنا.

ونحن من صور الى صيدا وجبيل الى القدس واوغاريت وعكا ودمشق واريحا وغزة القديمة في التاريخ.. هذه بلاد الحضارة التي ستنهض بشعبها دون الأنظمة

مؤكدين اننا امة واقفة اليوم بين الحياة والموت، مصيرنا متعلق بالخطة التي نرسمها لأنفسنا، والأكيد اننا  سنكون على مستوى عصر الاعمال لا الاقوال.