مع تخطي سعر صرف الدولار الـ٨٠ ألف ليرة لبنانية، دون أي بوادر بانفراج الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان منذ سنوات وتتفاقم يومًا بعد يوم، باتت معظم المؤسسات والشركات المحلية تواجه الكثير من المشاكل المادية، ما ينعكس سلبًا على الرواتب التي توفرها للموظفين، وبالتالي يؤدي ذلك إلى تراجع ملحوظ بأداء هؤلاء، ما يجبر البعض على اتخاذ قرار بترك وظيفته والبحث عن فرصة أخرى براتب يناسب طموحاته أو على الأقل يتلاقى مع المجهود الذي يبذله في مكان عمله، سواء داخل لبنان أو خارجه.
المؤسسات الإعلامية المحلية تُعتبر الأكثر تضررًا جراء الأزمات المتتالية التي واجهت ولا تزال تواجه لبنان، بدءًا من اندلاع ثورة ١٧ تشرين وصولًا إلى أزمة انتشار فيروس كورونا الذي عطل عمل المؤسسات وضرب قطاع الإعلانات الذي كان يشكل مصدر دخل كبير، وصولًا الى الأزمة الاقتصادية الخانقة التي بدأت منذ ٣ سنوات وأسفرت عن تدهور كبير في قيمة الرواتب التي يتقاضاها الموظفون.
فبالحديث عن وسائل الإعلام المحلية حصرًا، وتحديدًا التلفزيونات اللبنانية، يُلاحظ الفرق الكبير الحاصل في قيمة الرواتب التي تُعطى للموظفين من الفئة عينها، دون التطرق الى رواتب من هم في موقع الإدارة أو مسؤولين عن فريق معين.
تتفاوت تلك الرواتب بين قناة وأخرى، حيث تعمد بعض المؤسسات الإعلامية الى تقديم رواتب بالليرة اللبنانية على سعر صرف منخفض جدًا مقارنة بسعر صرف السوق السوداء او حتى السعر الرسمي الذي أصبح ١٥،٠٠٠ ليرة لبنانية، حيث لا تزال بعض تلك المؤسسات تعتمد سعر صرف ٤،٠٠٠ ليرة لبنانية، فيبدأ الراتب الاساسي لأي موظف جديد من ٤ ملايين ليرة لبنانية، مع تقديم جزء بسيط بالدولار الأميركي يتراوح بين ١٠٠ و٢٠٠ دولار في الشهر.
في المقابل، تعمد مؤسسات إعلامية اخرى الى منح رواتب تبدأ بـ ١٢ مليون ليرة، مع قسم بالدولار كبير للموظف الواحد، قد يصل الى ٥٠٠ دولار في الشهر، وذلك يتفاوت مع اختلاف المهام المطلوبة من كل موظف في مكان عمله.
هذه الرواتب الزهيدة نسبة الى الارتفاع الكبير في سعر صرف الدولار في السوق السوداء، بالأضافة الى الغلاء الفاحش الذي لحق بكل المستلزمات والحاجات الأساسية للمواطن، ناهيك عن اعتماد عدد كبير من المحال التجارية والمطاعم “دولرة” الأسعار، كل هذا يضع الموظف في حالة يأس عارمة، تنعكس سلبًا على الجو العام في مكان عمله وحكمًا على أدائه.
وفي هذا السياق، يقول المدرب والاستشاري بإدارة الإعلام، الصحافي حسان شعبان، في حديث لـ”صباح الخير البناء”، إن “الإعلام المحلي في لبنان كان يعتمد على مصادر دخل سياسية وعلى المصارف، لغياب الإعلانات كمصدر للأموال، ألا أنّ تلك المصادر السياسية باتت مضطربة اليوم نتيجة الوضع الاقتصادي السيئ، الى جانب أزمة المصارف، ما انعكس حكمًا على أداء المؤسسات ورواتب الصحافيين”.
ولفت شعبان الى أنّ “معاناة الصحافيين في هذا الخصوص كبيرة جدًا، اذ أنّ كل تلك العوامل دفعت بهم الى اللجوء لأكثر من مصدر مادي، سواء بالعمل الحر “Freelance” او عبر اعتماد وظائف بعيدة عن اختصاصهم الأساسي، او حتى التعاون مع منظمات ومؤسسات دولية، بهدف الحصول على مردود مادي اكبر وتأمين قوت يومهم”.
من هنا، رأى شعبان في حديثه بـ”صباح الخير البناء” أنّ “الأزمة الحقيقية في الإعلام المحلي هو أنّ المؤسسات الإعلامية تفكر دائمًا بصناعة المحتوى، دون التفكير بطريقة يكون لديها نموذج أعمال مستقل للحصول على الأموال، من دون أن تكون مرهونة الى أي جهة، ما ينذر بأن هذه الأزمة قد تكون طويلة، ومعها معاناة الموظفين في هذا الإطار”.