مقال تُعيد نشره صباح الخير البناء:
ان تتجرا اسرائيل على استهداف مدينة دمشق، وتضرب في كفرسوسة، المنطقة التي لها خاصيات عمرانية وامنية وعسكرية، بعد ان ضربت بالمزة، وبقاسيون، ومن غير المستبعد انها تتحفز للضرب بالمهاجرين والروضة. فالأمر ليس عادي ولا هو في سياق استراتيجيات المعارك بين الحروب بل يعتبر بكل المقاييس مجاوزة للخطوط الحمر. فهو اشبه بإعلان حرب او القول بان اسرائيل جاهزة للحرب ولا شيء يمنعها من ان تبدأها وقد تبدأها حالما ارادت ذلك.
خطورة القصف اضافة الى مكانه ايضا جاء في زمان دقيق، فتم عشية الاعلانات المكثفة عن وصول طائرات سوخوي ٣٥ الروسية لإيران والتي تعتبر من الجيل الخامس وقيل انها تخل بالتوازنات الاستراتيجية الاقليمية، وبعد ان كشف الحرس الثوري عن قاعدة جوية في بواطن الجبال واعتبرت ايضا حدث عسكري نوعي غير تقليدي، ويجري الحديث عن المسيرات الايرانية وحاملاتها البحرية وعن الصواريخ الاهم والاكثر دقة في جيوش العالم، بما في ذلك الفرط صوتية للتي انتجتها ايران، واللافت ان العملية جاءت بعد الاعلان عن استهداف ناقلة نفط اسرائيلية في الخليج بطائرة ايرانية مسيرة، وبعد يوم على استهداف قاعدة امريكية في سورية بالصواريخ وبعد يومين من تهديد السيد حسن نصرالله ومجاهرته ان اسرائيل ربيبة امريكا والغرب ستدفع ثمن محاولات هز استقرار لبنان واستهداف المحور ودوله بحروب التجويع والحصارات والعقوبات وافتعال الازمات والفوضى، وتعطيل جهود لبنان للاستثمار بثرواته البحرية بينما اسرائيل استغلت الترسيم وبدأت ببيع النفط والغاز من كاريش غير ابهة بشيء وكأنها مطمئنة …
ومن الامور اللافتة، والتي ترسم الكثير من اشارات الاستفهام ان العدوان غير التقليدي في استهدافه، وزمنه، يقع والحديث يتصاعد في اسرائيل نفسها عن خطر الحرب الاهلية بين قبائلها، والتحذيرات من ازمة اقتصادية عاصفة فيها جراء رحيل وهجرة رؤوس الاموال والاستثمارات ونزوح شركات الهاي تك.
وفي حالة تتسارع فيها فرص واحتمالات جولة عنف قاسية مع غزة مع تصاعد الاعتداءات الاسرائيلية على الاقصى وعلى الفلسطينيين في الضفة واراضي ال٤٨ والتحذير من انفجار في شهر رمضان جار على كل لسان.
في الامر والاحداث الجارية اسرار، ومعطيات عميقة ونوعية، من غير المجدي استطلاع افاق التطورات المستقبلية اذا لم يتم كشفها واو التعامل معها بفطنة وواقعية شديدة لاحتساب فواعل التطورات الجارية وموازين القوى في مسرح الازمة وبلدانها ومجتمعاتها وايضا في واقع التحولات العالمية العاصفة الجارية على كل الاصعدة ولاسيما الحرب الاوكرانية والتحشيد فيها والحديث عن هجومات الربيع من قبل اوكرانيا كما يفترض خبراء او العكس من قبل روسيا كما يرجحها خبراء اخرون. ناهيك عن عصف الازمات الاقتصادية المتمادية في الاقتصاد الامريكي والاوروبي، والتوترات بين الصين وامريكا وعراضات الصواريخ الكورية الشمالية.
ماذا في المعطيات؟؛
– اسرائيل مأزومة حتى الثمالة وتعرف ان ايامها العادية باتت معدودة وترصد الكلام عن ان محور المقاومة بات قاب قوسين من استكمال الاعداد لجولة عنف واسعة قد تؤدي الى حرب اقليمية توصف بانها يوم القيامة، تزال فيها اسرائيل من الوجود وتتبدل كل المعطيات والاوزان والتوازنات في الاقليم وابعد الى العالم، وتحت ضغوط ازماتها الكيانية والبنيوية والعجز في مواجهة الانتفاضة المسلحة في الضفة واراضي ال٤٨ وتصاعد قوة ايران والفصائل خاصة في لبنان وغزة واليمن، سترتكب حماقة وتقدم على مغامرة قاتلة يحفزها اليها حكومتها المتطرفة واليمينية الدينية غير العاقلة ولا القادرة على معرفة الواقع واحتساب موازين القوة بعقلانية.
وبكل حال هي تعتمد قاعدة الهجوم افضل وسائل الدفاع، وانتزعت من المحور استراتيجية المعارك بين الحروب وتبادر، فلماذا تنتظر محور المقاومة واستعداداته ليقرر هو متى وكيف واين تبدا الحرب، وبحسب هذا الرأي فالمحور لن ينجر للرد القاسي اللاجم وسيتحمل حتى تصبح الامور جاهزة والعدة كاملة ليكون ما يريد..
فالمعارك بين الحروب والحروب السرية والاستنزافية جارية ومستمرة ما لم يتسبب حادث بتطورات عاصفة فتطول الحالة الجارية وتتماظى اسرائيل باعتداءاتها.
- اسرائيل تراهن على ان المحور سيبقى في الدفاعية وفي استراتيجية الصبر والبصيرة، وسيقبل تلقي الضربات مادامت غير كاسرة وسيحاول الرد بالحرب السرية والسيبرانية وبتنشيط الفصائل في الضفة وفلسطين ال٤٨، وبالتهديدات وباستعراض القوة والكشف عن مزيد وجديده من القواعد والانتاج الحربي ما قد يفي بالغرض ويعقلن اسرائيل وقد يدفع حلفائها والاطلسي للضغط عليها ويحول دون وقوع حرب قد تكون مدمرة على الجميع بينما الزمن يعمل لصالح محور المقاومة ان كان في تصاعد الصراعات والازمات في اسرائيل او مع الفلسطينيين وقدرتهم على الصمود وتطوير وسائل ومسارح ارباك واستنزاف اسرائيل وايضا حرب اوكرانيا وتطوراتها تؤشر الى تراجع قوة وقدرات امريكا والاطلسي وهذا ينعكس في غير صالح اسرائيل وحلفائها في العرب والاقليم. وتستمر اسرائيل بناء لذلك في توجيه الضربات ورفع منسوبها وفرض قواعد اشتباك على ما تقرره هي فبعد المرافئ والمطارات والبنى التحتية المدنية بدأت في العاصمة دمشق وفي المناطق السكنية، والامنية، فمن غير المستبعد ان تكون اسرائيل قررت جعل سورية رهينة، ومفشة خلق ومسرح الرد على تهديدات قادة المقاومة وايران ورد على العمليات في الحرب السرية واستهداف المصالح الإسرائيلية في البحر او بتصعيد العمليات الفلسطينية في الداخل، واستهداف القواعد الامريكية شرق الفرات، وقد تزاحمت الازمات في سورية وزادتها حدة الكارثة الطبيعية والزلزال المدمر وتنشغل سورية في ترميم جراحها واحتواء الكارثة والازمات الامر الذي يشجع اسرائيل على تنفيس احتقاناتها والتمادي في استنزاف سورية لاحتوائها او اخرجها من المحور وتدمير قدراتها الباقية.
ماذا في المستقبل واحتمالاته؛
١-الحرب ارجح الاحتمالات، واذا لم تتسبب بها ردود المقاومة العاصفة واللاجمة، واذا لم يبدأها المحور لأسبابه وحساباته، فمن غير المستبعد ان تفرضها اسرائيل تحت ضغوط ازماتها وما يهددها بالانفجار والاستنزاف في بنيتها وصراعات قبائلها واو مع الفلسطينيين وبعد ان فشلت كل الخطط والجهود والتطبيع والتسويق الاعلامي، وبما ان المعارك بين الحروب والكارثة الطبيعية لم ولن تسقط سورية والزمن لا يعمل لصالح اسرائيل فيصير الامر مغريا لتشن اسرائيل عملية عسكرية عاصفة واسعة لتدمير ما تبقى من بنى وقوة في سورية وبذلك تأمل بكسر اهم واخطر حلقات مقاومة واسقاط مشاريع تصفية القضية الفلسطينية منذ بدأت مسارات الاتفاقات والتطبيع حتى اللحظة وكان لسورية الدور المحوري في المواجهات وفي اطلاق خيار المقاومة الذي اصبح محورا فاعلا نوعيا.
اذا فعلتها إسرائيل كيف سيكون الرد واي جبهات ومسارح ستشارك فيها؟؟ هذه متروكة للحدث ذاته وان كان وعد المحور وقادته ان تفتح ابواب جهنم وان ينخرط الكل وان تحرر فلسطين ونصلي في القدس وتزال الغدة السرطانية.
٢- من غير المستبعد ان يفعل محور المقاومة ويضع وعد السيد حسن نصرالله للثأر لقاسم سليماني بتصعيد وتكثيف استهداف الوجود الامريكي في سورية والعراق وصولا لإلزام امريكا بتفكيك قواعدها والانسحاب وكان السيد حسن نصرالله قد اعتبرها مهمة انجازها قد يؤدي الى تحرير فلسطين بلا حرب، واذا انجزت فتكسر حروب التجويع والحصار وتفتح أوتوستراد بيروت دمشق بغداد وصولا الى موسكو وبكين، فتستمر حالة الاشتباك الجارية بوتائر منخفضة وبالواسطة وعلى امتداد الساحات وعبر فروع الحرب المختلفة وتعصف ضد القواعد والوجود الامريكي..
٣- ان تستدعي حالة التسخين والاعتداءات الإسرائيل والتهديدات وعراضات القوة واحتمالات الرد والحرب همم دولية واقليمية وان تجري عملية تنشيط للدبلوماسية وتفعيل دور وقرارات مجلس الامن والبحث عن مخارج وتهدئة فيعاد تعويم مشروع التفاوض والسعي الى تسوية دائمة للصراع تستجيب شكلا للاستراتيجية السورية التي دعت لسلام دائم وعادل وشامل.
بمعنى ادق تنشيط دبلوماسية عالمية، ومن وسطاء جدد، يتشارك فيها الاطلسي مع اوراسيا تستهدف مقايضة الجوع والافقار والاستنزاف بالمعارك بين الحروب بعرض تسوية في الجولان ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا اللبنانية، وتسوية في الضفة الغربية تقوم على تعويم السلطة الفلسطينية مع صيغة حاضنة من مصر والاردن وربما تلزيم الاردن الامن في المعازل التي فرضتها اسرائيل بتهويد الضفة، وتسمى دولة فلسطينية بلا حدود وسيادة، فالاهم هو تامين سورية وانتزاعها من موقع المقاومة ومحورها، وهي وحدها كانت السبب والفاعل بتعطيل وهزيمة كل المشاريع التي مورست لتصفية القضية الفلسطينية. وبعض الرهان والاوهام التي يجري تسويقها تفترص ان سورية المدمرة بالحرب والمستنزفة بالمعارك بين الحروب وبتنشيط القوى والجماعات الارهابية، والمصابة بالكارثة والمازومة اجتماعيا واقتصاديا باتت في وضع قد تقبل فيه التوقيع والتطبيع والتخلي عن القضية الفلسطينية وتتراجع عما كانت تشترطه في المفاوضات سابقا.
واذا انخرطت سورية في التسوية والتطبيع فلا يعود لإيران والفصائل اهمية او قيمة او دور في الصراع العربي الاسرائيلي وعندها تسهل امكانية تفكيكها ونقل الازمة والحروب الى قلب قلعتها ايران وقد بدأت عمليات التأهيل والاستطلاع بالنار والاختبارات العملية. كما يسهل على اسرائيل ورعاتها وتحالفاتها العربية والاسلامية والعالمية اجهاض القضية الفلسطينية بتبريد الضفة، وتصفية المقاومة في فلسطين ال٤٨ وانجاز توطين اللاجئين.
كيف ستسير الامور في المستقبل القريب والمتوسط، مازلنا نرى الاشتباك والحرب هو الاحتمال الارجح، بينما احتمال انتزاع سورية من المحور بضربة عسكرية واو بعرض مغر لتسوية وتطبيع مستبعدا فالصحيح ان سورية متعبة ومنهكة ومازومة ومدمرة وأيضا هذه ظروف ومعطيات تدفعها لرفض الاذلال الوطني والقومي وكسر ارادتها واخراجها من قيمها فسورية بلا عروبتها ومقاومتها الابدية لن تكون سورية بل لن تبقى ومن يوقع سيقتله حاجبه كما انبأنا واوصى القائد الكبير المرحوم حافظ الاسد ووعد بان الاجيال الاتية ستكون اكثر وطنية وقومية ومقاومة.
وليس لسورية ما تخسره بعد كل خسائرها من حرب تذر ولا تبقي ومهما كانت قاسية فستكون على اسرائيل وحلفائها بمثابة الزمن الاخير، فما الحكمة بان تستسلم وتوقع على صك عبوديتها الابدية….. كيفما سارت الامور واتجهت، فالخلاصة الذهبية، ان الصراع العربي الصهيوني لم يعد يحتمل الاطالة والمراوحة في المكان وتعطيل الحلول، ومن غير المنطقي الا تكسر حالة الاستعصاء القائمة ولا يكسرها الا تطور نوعي وجذري اما بالتسويات او بتصعيد المواجهات.
ميخائيل عوض