سكن الآراميون شرق سورية، وجعلوا من دمشق عاصمة لهم، اكتسبوا مظاهر حضارية متفوقة ومميزة، تمسكوا بلغتهم حتى نهاية تاريخهم، واضطلعوا بدور فعال في التاريخ الحضاري، كما كانوا مميزين في البناء والإعمار.
تبنى الآراميون الأبجدية الفينيقية، التي تألفت من 22 حرفاً، ولم يزيدوا عليها أي حرف، انتشرت اللغة الآرامية في كل أنحاء سورية الطبيعية، وهي لغة تنتمي إلى مجموعة اللغات السامية، تفرّعت منها عدة لهجات، أهمها: اللهجة الشرقية واللهجة الغربية، والكتابة بالآرامية أسرع، وأكثر عملية من الكتابة باللغة الآكادية ذات الأحرف الكثيرة، والتي تتطلب كتابتها وجود قوالب خاصة للأحرف وألواح طينية، بينما اللغة الآرامية تُكتب بالحبر وعلى الجلود وعظام الحيوانات وورق البردي.
استخدمت اللغة الأرامية للكتابة والتخاطب في سورية، وفي الكثير من المناطق المجاورة، وانتشرت بشكل كبير لأن التجار الآراميين الرّحل كانوا يستخدمونها، وساعد على ذلك أيضاً، حملات النفي والتهجير التي كان يقوم بها الملوك الأشوريون، إضافةً إلى كونها تميزت بسهولة الخط في الكتابة، وبساطة أبجديتها، وقواعد النحو والصرف، وقد اُستخدمت عند الأشوريين والبابليين والحيثيين والعبرانيين والمصريين والفرس، ووصلت الأبجدية الفينيقية الآرامية إلى الهند.
ألّف الآراميون سلالة ملكية هي سلالة «عبدي عاشرتا» وابنه «عازيرو» التي وجدت في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وحالفت فراعنة السلالة الثامنة عشرة، اختلطوا في الشمال ببقايا الحثيين، وأنشأوا عدداً من الدول المتحالفة الصغرى.
تعددت الممالك الآرامية في سورية وكان منها: مملكة دمشق الآرامية وعاصمتها دمشق، ومملكة آرام صوبا في البقاع، ومملكة بيت رحوب على مجرى نهر الليطاني الأوسط، ومملكة بيت معكا في بانياس والجولان، ومملكة جشور بين اليرموك ودمشق.
أطلق المؤرخون لقب السريان على الآراميين، واختلفوا حول هذه التسمية، منهم من قال إن هذا الاسم نسبة إلى سورية، وآخرون قالوا نسبة إلى أشوريا، وأصبحت تسمية السريان شائعة بشكل كبير في القرن الأول الميلادي، فأصبحت كلمتا آرامي وسرياني تحملان ذات المعنى.
اهتم الآراميون بالفن، وأغنوه ببراعتهم ومهارتهم ودقتهم، كما تأثروا بالأسلوب الفني للدول المجاورة، وظهر التأثر بالفن الميتاني جلياً في التماثيل والنقوش التي عُثر عليها في منطقة تل حلف، كذلك التأثر بالفن الحثي بدا واضحاً في بعض القطع الأثرية التي وُجدت في مدينة زنجيزلي ومدينة حماه، كذلك التأثر بالفن الأشوري.
عمل الآراميون وسطاء تجاريين بين مختلف دول المنطقة، وكانت عاصمتهم دمشق مركزاً تجارياً كبيراً، ومعبراً للقوافل المحملة بالسلع القادمة من الأسواق الفينيقية، فحققت من هذه التجارة أرباحاً طائلة، أدت إلى الرخاء المادي والاقتصادي، يُضاف إلى ذلك التجارة البحرية التي كانت ناشطة من خلال مرفأي مدينتي صيدا وصور.
عبد الآراميون الشمس والقمر والكواكب، خاصةً المشتري والزهرة، وبنوا في الأماكن الشاهقة هياكل، وسكنوا قرى راشيا وحاصبيا (بيت لهيا، كفرقوق، عين عطا…)، كما تبنّوا العقائد الدينية التي كانت سائدة في سورية، فعبدوا آلهة بلاد ما بين النهرين، وآلهة الكنعانيين والفينيقيين، وآلهة الحثيين والحوريين، وكان أكثر الآلهة تقديراً لديهم الإله «حدد»، إله العواصف والأعاصير، وكان المعبود الوحيد في دمشق، وتسمى على إسمه ثلاثة من ملوكها، وقدّس الآراميون قوى الطبيعة، كما آمنوا باليوم الآخر، وكانوا يعتقدون أن الميت سينتقل في قبره إلى العالم السفلي الذي تتجمع فيه أرواح الموتى حيث يعيشون حياة غامضة.

