في النصف الاول من القرن التاسع عشر ظهر ما عرف بالمسألة الشرقية واطلقت على الدولة العثمانية المتهالكة اسماء اشهرها اسم رجل اوروبا المريض الذي ينتظر الجميع موته و تتسابق القوى الاوروبية لوراثته، وفي انتظار موت ذلك الرجل المريض اخذ الاهتمام بالمشرق ودراسته يشغلان حيزا مهما في الدراسات الاستعمارية الاستشرافية وقد وضعت هذه الدراسات خواتيمها لأسباب استعمارية ورغوبيه، اذ اعتبرت اننا لسنا امة واحدة وشعب وانما شتات من قبائل وطوائف وعشائر واثنيات تتمايز عن بعضها البعض تمايزا كبيرا ،ومن الممكن دفعها للتصارع بعضها مع بعض، فسوريا الحالية (الشام) التي تم سلخ شمالها و وشمال غربها والحاقه بتركيا، لا يوجد بها امة واحدة بل هي مكونة من اكراد وتركمان وشركس وسوريون سريان وسوريون عرب ومن علويين ودروز وسنة وشيعة وارثوذكس واسماعيليين وكاثوليك، واما لبنان الذي تم فصله عن سوريا فهو ايضا ليس وطنا نهائيا وانما بلد مكون من موارنة و ارثودوكس و سنة وشيعة و سريان ودروز وما الى ذلك.
لكن شاءت المصادفة ان اهل الجنوب السوري (فلسطين) في غالبيتهم العظمى هم من المسلمين السنة الذين اقيمت على ارضهم دولة لليهود كان هدف اقامتها نظريا من اجل حل المسالة اليهودية المتفاقمة في اوروبا، وان كان في الحقيقة لإنشاء كيان وظيفي يمثل قاعدة متقدمة للاستعمار ولتمارس دورها كعامل عدم استقرار في امتنا، ثم لتصبح الامة على غرار دولة يهود مكونة من مزق من دويلات الطوائف والاثنيات.
انتهت الحال في تل ابيب بهذه الحكومة الواضحة في عقيدتها وفي ممارستها السياسية الى ان ترى ان عليها اولا ان لا تترك متسعا جغرافيا في الضفة الغربية لإقامة دولة فلسطينية مهما كانت صغيرة وعليها ثانيا ان تمنع الدولة الفلسطينية من ممارسة اي عمل له علاقة بالسياسة حتى ولو كان مظهري كجواز السفر وتواضع الوريد والعلم وانما ان يقتصر عملها على الخدمات البلدية والاجتماعية.
اخذت حكومة اليمين المتطرف بتنفيذ قرار ضم 82% من الضفة الغربية والتي تمثل ما يقارب 20% من ارض فلسطين الانتدابية وابقاء 18% من الضفة الغربية بيد السلطة الفلسطينية، اي ما يقارب 2% من فلسطين الانتدابية، كل ذلك دون الاعلان الرسمي عن ضم الضفة الغربية الذي كان من المقرر اتخاذ قرار اعلانه من قبل الحكومة يوم اول امس الخميس، لكن الحكومة اجلت ذلك الى بعض الوقت فقط بسبب توسط دولة الامارات العربية المتحدة (الإبراهيمية) لتأجيل اعلان قرار بعض الوقت لا الغائه مقابل تقديم 70 مليار دولار فقط لا غير لدولة الاحتلال الامر الذي يعني استمرار تنفيذ الضم ولكن بدون اعلان.
تقوم خطه الاحتلال في الضفة الغربية على استعادة الفهم الاستشرافي القديم لكن بما ان السواد الاعظم من الشعب الفلسطيني وخاصة الضفة الغربية من المسلمين السنة فاستبدل العقل المعادي، فكرة الطوائف التي عمل بها في الشام ولبنان بالعشائر وهو ما تحاول حكومة الاحتلال تجربته اليوم في الخليل بإقامة دويلة تقودها العشائر فهل ستنجح حكومة الاحتلال بذلك؟
من الصعب الإجابة على هذا السؤال، ولكن يمكن متابعة مجموعة من الملاحظات منها رفض واشنطن منح الرئيس الفلسطيني وطاقم مرافق له قيل انه مكون من 90 شخص تأشيرات لدخول الولايات المتحدة لحضور الجمعية العمومية مخالفه بذلك اتفاقية المقر المعقودة عام 1947، وهذا يعني ان السلطة الفلسطينية ورئيسها محظور عليهم التكلم بالسياسة وان وظيفتهم يجب ان تكون محصورة بالخدمات البلدية والاجتماعية. السلطة الفلسطينية بدورها كانت رده فعلها عاتبه أكثر منها غاضبة مذكرة بانها لطالما التزمت بكل تعهداتها تجاه ما يطلب منها ويمكن ملاحظة ان لا وجود او حديث او حوار داخلي عن خطة فلسطينية مضادة لخطة الضم هذه والتي تتطلب سعيا دبلوماسيا خارجيا، ولكن بعد اقامة الوحدة الوطنية الداخلية القائمة على فكرة الصمود والمقاومة لا السعي لرضى الاحتلال، الخطة التي يتفق فيها كل الفلسطينيين على مقاومه خطوط الضم.
هذا هو الوضع الصعب الذي تعيشه الضفة الغربية فيما تعيش غزة ظروفا أصعب وأكثر إيلاما وبؤسا. وفيما يغيب النصير العربي والاسلامي لا بل ويغيب الفلسطيني الرسمي.

