اسطول الصمود العالمي دعما لغزة ينطلق؛ الغرب الشعبي الداعم والعرب يغضون الطرف

في دول الغرب بات لافتاً الحراك الشعبي الهائل الذي يعبّر عن التضامن مع قطاع غزة وفلسطين وكسر الحصار الذي يفرضه العدو الصهيوني، فيما لا نشهد في الدول العربية أي تحرك أو تظاهرة أو تعبير عن الرفض حيال الممارسات التي يمعن فيها هذا العدو بشكل يومي. 

مظاهرات ورفع أصوات داخل البرلمانات وأمام المؤسسات والمراكز الرسمية في كبرى العواصم والمدن رغم محاولات قمعها واعتقال المشاركين فيها. في امستردام وشيكاغو ونيويورك ولندن وكوبنهاغن وغيرها من المدن ينطلقون رغم الأحوال الجوية المختلفة، متسلحين بصوتهم، رافعين اللافتات المنددة بالإبادة بحق المدنيين والأطفال، والكوفية الفلسطينية حول أعناقهم وعلى أكتافهم. الحرب على قطاع غزة جعلت الرأي العام العالمي يستفيق على بلد أثخنته الحروب «الإسرائيلية» المتعاقبة في منطقة كانت الشعوب الغربية تجهل جغرافيتها وتاريخها.

لقد باتت غزة هي محور الأخبار التلفزيونية والصحف حول العالم، ومحرّك الإعلام في أربع نقاط الأرض، فيما لا نشاهد أي حراك في معظم الدول العربية إلا بعض الاستثناءات، وكأن الأمر لا يعنيهم. خلال الأعوام الأخيرة شهدنا أساطيل بحرية تتجمع وتبحر صوب شواطىء قطاع غزة. بعضها يصل إلى هدفه والبعض الآخر يخفق حين تعترضه قوات العدو الصهيوني وتعتقل الأشخاص على متن بواخرها.

آخر محاولات كسر الحصار على غزة هو تشكيل «أسطول الصمود العالمي» تحت شعار «عندما يصمت العالم، نبحر»، هدف منظميه هو كسر الحصار غير القانوني على غزة، وفتح ممر إنساني وإنهاء الإبادة الجماعية المستمرة للشعب الفلسطيني، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة الذين يعانون من المجاعة. ومن المقرر أن تنطلق القافلة الأولى من برشلونة، والمؤلفة من عشرات السفن المدنية الصغيرة التي تحمل أكثر من 300 ناشط من عدة دول، وبرلمانيين أوروبيين، ومجموعة من الأشخاص، بمن فيهم المنظمون، والعاملون في المجال الإنساني والأطباء والفنانون ورجال الدين والمحامون والبحارة الذين أجمعوا على إنهاء الحصار والإبادة الجماعية، فضلاً عن إمدادات إنسانية ومساعدات طبية وغذائية. الأسطول الذي أبحر من برشلونة الاسبانية وجنوى الايطالية أواخر شهر آب، سيلتقي في تونس مع موجة ثانية في 4 أيلول. ومن المتوقع أن يصل إلى شواطئ قطاع غزة في منتصف أيلول. ووفق ما صرح الناشط البرازيلي تياغو أفيلا، «ستكون هذه أكبر مهمة تضامن في التاريخ، بمشاركة عدد أكبر من الأشخاص والقوارب يفوق جميع المحاولات السابقة مجتمعة». ويتوقع المنظمون مغادرة عشرات السفن الأخرى موانئ تونس ودول أخرى على البحر الأبيض المتوسط ​​في الرابع من أيلول.

يتألف الأسطول من سفن صغيرة وكبيرة من 44 دولة على الأقل في البحر الأبيض المتوسط ​​وخارجه، بتنسيق من متطوعين ومنظمات دولية غير حكومية. ويعتزم الأسطول، الرسو في غزة، كاسراً الحصار البحري الذي تفرضه «إسرائيل». وتقود هذه البعثة الناشطة السويدية غريتا ثونبرغ. وتزامناً مع تحرك هذا الأسطول، سينظم الناشطون أيضاً مظاهرات واحتجاجات في 44 دولة «تضامناً مع الشعب الفلسطيني». إذنالمشاركون في القافلة دول من ست قارات، بما في ذلك أستراليا والبرازيل وجنوب إفريقيا والعديد من الدول الأوروبية.

«اسطول الصمود» هي المحاولة الثالثة منذ أيار الماضي. فقد أوقفت بحرية العدو التي تسيطر بشكل دائم على ساحل غزة، الرحلتين السابقتين، وقامت باعتقال النشطاء على متن السفن، وطردهم خلال 24 ساعة.

كعادته هدد العدو الصهيوني باعتقال المبحرين على «أسطول الصمود» وحجزهم في سجون «الإرهابيين» على حد قول وزير «الأمن القومي الإسرائيلي»، إيتمار بن غفير، الذي قدّم للحكومة خطة لوقف هذا الأسطول. ووفقاً لهذه الخطة، سيُحتجز جميع النشطاء المعتقلين في سجني كتسيعوت ودامون «الإسرائيليين»، وهدد بالقول «لن نسمح لمن يدعمون الإرهاب بالعيش في راحة»، مُضيفاً أنه سيتم مصادرة السفن.

الرد على هذه التهديدات جاء على لسان المتحدثة باسم إيطاليا في أسطول الصمود العالمي ماريا إيلينا ديليا التي قالت «لن نتوقف، سنواصل مسيرتنا. لن نخضع للترهيب لأننا نعلم أننا نتحرك في إطار القانون»، وأضافت: آمل، إذا طبقت «إسرائيل» أحكاماً قاسية بالسجن، أن تتدخل حكومتنا لأننا مواطنون إيطاليون ونبحر في المياه الدولية. لذلك، لا يحق ل «إسرائيل» اعتقالنا ومصادرة سفنناً، مضيفة «لا أرى كيف يمكن اعتبار توفير الطعام والماء لسكان يموتون من الجوع، ناهيك عن القصف، دعماً لحماس، فالمسألة لا تتعلق إطلاقاً بالمهمة التي سنضطلع بها، بل بفلسطين وكيف يُحرم الناس عمداً من أبسط مقومات العيش، وكيف يُمكن للعالم أن يلتزم الصمت».

بالعودة إلى السنوات الماضية، نشير إلى أن الكيان الصهيوني فرض منذ عام 2007، سيطرة مُحكمة على المجال الجوي والمياه الإقليمية لغزة، مقيداً بذلك حركة البضائع والأشخاص. وقد حاولت عدة سفن تابعة لأسطول الحرية كسر الحصار المفروض على غزة. في عام 2008، نجحت سفينتان تابعتان لحركة غزة الحرة في الوصول إلى غزة، مسجلةً بذلك أول اختراق للحصار البحري «الإسرائيلي». أطلقت هذه الحركة، 31 سفينة بين عامي 2008 و2016، وصلت خمسة منها إلى غزة رغم القيود «الإسرائيلية» المشددة. ومنذ عام 2010، تعرضت كل الأساطيل التي حاولت كسر الحصار المفروض على غزة لاعتراض أو مهاجمة من قبل العدو «الإسرائيلي» في المياه الدولية.

على خط آخر شهدت مدن كبرى حول العالم مظاهرات حاشدة دعماً لفلسطين ومطالبة بوقف الإبادة في قطاع غزة تزامناً مع تصعيد أكثر من ألف موظف في مؤسسات الاتحاد الاوروبي بينهم ديبلوماسيون وخبراء قانون لتحركهم عبر توجيه نداء عاجل يطالب بتعليق العلاقات مع الكيان الصهيوني. كذلك في مدينة سيدني الأسترالية تحدى آلاف المتظاهرين الأمطار الغزيرة وساروا في الثالث من آب عبر جسر هاربور الشهير في «مسيرة من أجل الإنسانية» مطالبين بالسماح الفوري بإدخال المساعدات إلى غزة، وخرجت مسيرة مماثلة في مدينة ملبورن، كذلك تظاهر في مدينة نيويورك مئات النشطاء في منطقة مانهاتن. وإزاء هذا الحراك الغربي اللافت نجدنا أمام صمت عربي غير مسبوق.