وفي مقال للكاتب Suzie Tad نشره في مجلة Geographic National تحت عنوان Faith of Journey يقول: طرحت على العلماء السؤال التالي: هل وجد يوما في هذا العالم رجل اسمه إبراهيم؟ وفي أغلب الأحيان أبدوا احترامهم قائلين: لا يمكننا دحض وجوده، ولكنهم كانوا مقتنعين بعدم جدوى إيجاد فرد من لحم ودم وفي مقال آخر للدكتور ستيفن )وغاب عن ذهني اسم عائلته( نشر في مجلة Geographic National يقول: «لقد تتبعت رحلة إبراهيم كما وردت في كتاب التوراة، أي من أور الكلدانيين إلى أرض كنعان فمصر فأرض كنعان مجددا فلم أجد أي أثر يؤكد وجود هذه الشخصية.» وإن أردت اكمال سرد ما كتبه كبار العلماء والباحثين والمؤرخين والأركيولوجيين لكان من غير الممكن أن تكفي هذه المحاضرة لاستيعابه، لكن كل ذلك موثق في كتابي )البعد التوراتي للارهاب الإسرائيلي). ويبقى أن أشير إلى بعض الدراسات التي تجاوزت كل ما هو مكتوب لتؤكد على أن العبرانيين –الإسرائيليين-اليهود لم يكن لهم قديما وجود يذكر في فلسطين والتي كانت جزءا لا يتجزأ من أرض كنعان وستبقى أقله بالنسبة لنا، بل هم وجدوا بالنسبة مثلا لكمال الصليبي في الجزيرة العربية، وبالنسبة للدكتور فاضل الربيعي في اليمن تحديدا حيث وافقه على ذلك الكاتب فرج صالح ديب وكذلك الكاتب زياد منى. وما هذا التخبط لدى الباحثين حول أصل اليهود وهذا الاختلاف بوجهات النظر إلا نتيجة حتمية لأسطورية السردية التوراتية التي لم يستطع أحد أن يقدم لها وثائق تاريخية تؤكدها.
بالانتقال للحديث عن ديانة اليهود والتي يعتبرها عامة المؤمنين بأنها الديانة التوحيدية الاولى نقول بأن المؤامرة اليهودية علً الديانتين المسيحية والمحمدية دفعت باليهود إلى إجراء عملية غسل دماغ، على مدى قرون، للمؤمنين في العالم فأقنعوهم أن جذور الديانتين نجدها في تربة الديانة اليهودية. ويأخذني العجب من أتباع هاتين الديانتين كيف سمحوا لعقولهم بتقبل هذه الكذبة التاريخية. فنحن إن قرأنا الأناجيل علً ضوء العقل بعيدا عن الايمان النمطي العامً لوجدنا أن يسوع نقض بداية الوصايا العشر المخصصة، حسب ما هي واردة في التوراة ببني إسرائيل فقط. «لا تقتل، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد على قريبك شهادة زور. لا تشته بيت قريبك. لا تشته امرأة قريبك، ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئا مما لقريبك.» وكل هذه الوصايا التي استقاها كاتب التوراة من شريعة حمورابي الاجتماعية الوضعية وحولها إلى وصايا على لسان إلهه الذي خصصها لشعبه، حولها يسوع بعد نقضها إلى وصايا إنسانية، لكن أتباعه نقضوا ما نقضه وعادوا يستعملون الوصايا اليهودية الحجرية، أي بدلا من التأنسن مع إنسانية يسوع الحضارية العالمية عادوا ليتحجروا مع وثنية أتباع يهوه. وقس على ذلك رفض يسوع لتقديس يوم السبت«فتحفظون السبت لأنه مقدس لكم. من دنسه يقتل قتلا »خروج .14:31 ورفض على لسان بولس، في رسالته إلى أهل غلاطية عملية الختان فقال: «ها انا بولس اقول لكم انه ان اختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئا. ان … 5: 6 لأنه في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئا ولا الغرلة، بل الايمان العامل بالمحبة» (غل). أما يهوه فقد قال لإبراهيم: «يختن كل ذكر… ابن ثمانية أيام يختن منكم كل ذكر في أجيالكم…وأما الذكر الغلف الذي لا يختن في لحم غرلته فتقطع تلك النفس من شعبها. إنه قد نكث عهدي» تكوين10:17 .14- فكيف يمكن لهذا الله السادي أن يقتل طفلا في اليوم التاسع من عمره لأن أهله تقاعسوا عن إجراء عملية الختان له؟ إنه إله القتل دون رحمة والأمثلة على ذلك كثيرة. وسأعطيكم مثالاً واحدا لإثبات ما أقول. يأمر بني إسرائيل قائلا لهم: «فضعوا كلماتي هذه على قلوبكم ونفوسكم واربطوها علامة على أيديكم ولتكن عصائب بين عيونكم» تثنية 18:11 «حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها للصلح. فإن أجابتك إلً الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك. وإن لم تسألك، بل عملت معك حربا فحاصرها. وإذا دفعها الرب إلهك إلًى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف. وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبا فلا تستبق منها نسمة ما. بل تحرمها تحريما.. كما أمرك الرب إلهك» تثنية.17-10:20
هذه هي تعاليم إله إسرائيل التي يقومون اليوم بتنفيذها حرفيا فوق كل تراب وطننا من لبنان إلى فلسطين فالشام وصولا إلى العراق. وتتعالى أصوات بعض المغرقين في لبنانيتهم، والمرحبين بالتطبيع، والمتباهين بأن لبنان مذكور في العهد القديم ستين مرة، دون أن يكلفوا أنفسهم قراءة الطريقة التي يرد فيها اسم لبنان، أو أنهم يقرأون بغريزتهم لا بعقلهم وإليك المثال: يقول يهوه لبني إسرائيل شعبه الخاص: «كل مكان تدوسه بطون أقدامكم يكون لكم. من البرية ولبنان، من النهر نهر الفرات إلى البحر الغربي يكون تخمكم» تثنية .24:11 وكان موسى قد قال لهم: «الرب إلهنا كلمنا في حوري قائلا: كفاكم قعود في هذا الجبل. تحولوا وارتحلوا وادخلوا جبل الموريين) بين جبلي حرمون وجلعاد (وكل ما يليه من العربة والجبل والسهل والجنوب وساحل البحر أرض الكنعاني ولبنان إلى النهر الكبير نهر الفرات» تثنية 6:1 و.7 فعن أي لبنان هم يتحدثون؟ عن لبنانكم أم عن لبنانهم كجزء من أرضهم الموعودة.
يقول الاب إسطفان شربتيه: «إن الكتاب المقدس، لا سيما العهد القديم، كتاب محير، نعلم قبل أن نفتحه، أنه الكتاب المقدس عند اليهود والمسيحيين، ونتوقع أن نجد فيه كلاما غير ممزوج بشيء: أي نوعا من كتاب التعليم الديني أو اللاهوت الديني، وعندما نفتحه نجد فيه قصصا من ماضي شعب صغير، قصصا كثيرا ما تكون لا فائدة لها، وروايات لا نستطيع أن نقرأها بصوت مرتفع من دون أن نخجل، وحروبا واعتداءات لا مبرر لها، وقصائد لا تحملنا إلى الصلة وإن سميناها مزامير، وفضائح أخلاقية وسفاح قربى، وكثيرا ما هي مبغضة للنساء.» وتصديقا لكلام هذا الراهب لجهة القصص والمرويات جاء في الآية 2 من سورة يوسف في القرآن ما يلي: «نحن نقص عليك أحسن القصص»… وبعد بدء الأركيولوجيين من التنقيب في أرض العراق علهم يوفقون بما يؤكد قصص التوراة، تفاجأوا بعد عثورهم على رقم طينية تعود إلى ما يقل عن ألفيات ثلاث وتحتوي على القصص ذاتها الموجودة في التوراة، بدءا بقصة آدم وحواء، وقصة طوفان نوح وسفينة النجاة وقصة يوسف مع فرعون مصر، وقصة موسى مع فرعون آخر، مع شيء من التحوير، فخلصوا إلًى استنتاج واضح وهو أن كاتب الأسفار الخمسة الأولى أي الكاهن عزرا، الذي عاش في بابل خلال ما أسموه بالسبي الذي حصل على أثر سقوط أورشليم بيد نبوخذ نصر عام 587 ق.م، قد سطا على التراث البابلي وأعمل فيه تحويرا وتشويها بما يناسب نفسيته القبلية البربرية الحقودة، وأعطى هذه القصص بعدا دينيا إلهيا، بعدما كانت تراثا أدبيا شعبيا رافدينيا. وجاءت الحركة الصهيونية لتفرض على العالم أجمع قداسة هذه النصوص بحيث إذا ما تجرأ أحد وأبدى رأيه بها، اتهم بالعداء للسامية الكذبة الكبيرة الأخرى. وها هي هذه التهمة اليوم سيفا مسلطا فوق رقاب الناس أجمعين يخرسون به صوت كل مفكر، أو مؤرخ، أو باحث، أو سياسي أو علمي يخرج عن القطيع رافضاً للتدجين. والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى.
وبالرغم من ذلك نقول لهم: لكم كتابكم فمبروك عليكم هذا الكتاب، ونقول للآخرين لكم كتبكم فما لكم ولهذا الكتاب الذي لا يمكن أن يلتقي مع كتبكم، ألا تقرأون ما قاله كل من يسوع ومحمد لكم من تسخيف لما هو وارد فيه؟ وعلى سبيل المثال لا الحصر نقرأ من سورة البقرة الآية 110 ما يلي: «وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم. قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.» «يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ » سورة النساء آية .46 قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ« » البقرة .93 هذا قليل من كثير وعلى سبيل المثال لا الحصر. ومن إنجيل يوحنا نقرأ: «أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا. ذاك كان قتال للناس من البدء، ولم يثبت في الحق لأنه ليس فيه حق. متى تكلم بالكذب فإنما يتكلم مما له لأنه كذاب وأبو الكذاب» يوحنا .44:8 ومن يوحنا أيضا نقرأ: «قال لهم يسوع (أيلليهود(الحق أقول لكم قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن» يوحنا .58:8 فماذا نفهم من هذا الكلام؟ هل عنى يسوع به أنه وجد بالجسد ككائن حي قبل أن يوجد إبراهيم؟ بالطبع لا، بل هو عنى أن فكرة التوحيد، أي عبادة إله واحد لم يبدأها إبراهيم كما يدعون بل بدأ بها السومريون قبل إبراهيم بمئات السنين، ويسوع كونه ناقض الشريعة الموسوية التي نادت بتعدد الآلهة، اعتبر أن تعاليمه التوحيدية كانت موجودة قبل إبراهيم، وهذا يكشف أن عبارة«ما جئت لأنقض بل لأكمل» الواردة فقط في إنجيل متى هي من قبيل، إما الاضافة لتأكيد أن جذور المسيحية تعود إلى اليهودية، وأما قالها بالفعل متى الذي كانت الشريعة الموسوية مسيطرة على تفكيره ولم يستوعب بعد أن تعاليم يسوع تتعارض كليا مع الشريعة الموسوية.
وجدي المصري ـ الحلقة الثانية

