مقدمة عامة
الدولة الحديثة، تعد دولة دستورية حيث تجعل من الدستور القانون الأعلى، الواجب الاتباع في مواجهة الحكام والمحكومين. ومنه تستمد السلطات العامة سندها الشرعي في الحكم وعلى ضوئه تتخذ النظرية العامة للقانون، التي تسود علائق المحكومين، بكل صورها.
(فالصرح القانوني يسير على مبدأ التدرج الهرمي للقواعد القانونية، فكل قاعدة تستمد سند مشروعيتها من القاعدة التي تعلوها حتى يصل الأمر إلى الدستور الذي يجعل مكان الزعامة في قمة هذا الهرم).
الدستور
(هو القاعدة الأساسية التي يرتكز عليها ذلك النظام، يجب النظر إليه بأنه لم يعد مجرد نص سياسي ناتج قواعد قوى المجتمع، ولكنه أصبح وثيقة قانونية تفرض قواعدها على جميع السلطات في الدولة).
(مجلة الفينيق القانونية والسياسية 518 – 519)
و (هو القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة ونظام الحكم، وشكل الحكومة، وينظم السلطات العامة فيها، من حيث التكوين والاختصاص والعلاقاتالتي بين السلطات وحدود السلطة، والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات. ويضع الضمانات تجاه السلطة، ويشمل اختصاصات السلطات الثلاث.
وتلتزم به كل القوانين الأولى مرتبة في الهرم التشريعي. فالقانون يجب أن يكون مستوحياً للقواعد الدستورية وكذلك اللوائح، يجب أن تلتزم بالقانون الأعلى منها مرتبة. إذا ما كان القانون مستوفياً القواعد الدستورية).
(ويكيبيديا -دستور-الموسوعة الحرة)
ودستور سعاده
بعد وضع المبادئ، وهي محور العقيدة القومية الاجتماعية لا بد من وضع النظام الذي يحقق نجاح هذه العقيدة
درس سعاده عدداً من الدساتير العالمية والمبادئ القانونية، ونتيجة هذا الجهد وضع هذا الدستور.
مر هذا الدستور بمراحل منذ 1934، ونسق بالعام 1937، حيث صدر مستكملاً شكله الحالي
فيه
المقدمة: وفيها (تأسس الحزب بموجب تعاقد بين الشارع صاحب الدعوة إلى القومية السورية الاجتماعية وبين المقبلين على الدعوة).
وقد أدى الزعيم قسم الولاء لأمته السورية.
وقد قسم المبادئ إلى قسمين / المبادئ الأساسية والمبادئ الإصلاحية / وكلا القسمان يؤلفان (قضية واحدة)
وكانت مواد هذا الدستور أربعة عشر مادة وأربعة مراسيم دستورية (مؤسسة العمد ومجلسهم-مؤسسة المنفذيات-مؤسسة المديريات-مؤسسة لجان المديريات ومجالس المنفذيات).
مرسوم 5 – (القانون المالي) والمرسوم 6 – (قانون الضرائب) أما السابع فهو رتبة الأمانة.
كما أصدر المراسيم: مرسوم بإنشاء لجنة النقد العقائدي-وإنشاء اللجنة السياسية-وقانون الندوة الثقافية-وكذلك مرسوم الطوارئ.
من خلال هذا العرض لنص الدستور (عناوين) نجد أنه جعل غاية الحزب في المادة الأولى، ومبادئ الحزب الأساسية والإصلاحية في المادتين الثانية والثالثة، لينتقل بعدها إلى السلطة وتكوينها، ثم إلى المؤسسات التنظيمية، ليعود بشكل خاص إلى رتبة الأمانة لما لها من شأن في قيادة الحزب.
وفي كلمة توضيحية للمراحل التي مرت على وضع المبادئ جاء (وطدت عزيمتي على إنشاء النهضة السورية القومية الاجتماعية، التي جعلت غايتها إحياء حقيقة الأمة السورية وشق طريق وجودها وارتقائها وإقامة نظام اجتماعي جديد فيها).
وحول توضيح تعاليم المبادئ قال:
(إن هذه التعاليم المضبوطة في هذه الطبعة الرابعة (المتداولة) هي الكاملة والتي يجب أن تعتمد)
(18 -أيلول 1947)
وعن الدستور كما، جاء في المقدمة التي هي جزء لا يتجزأ منه قال: (تأسس الحزب السوري القومي الاجتماعي بموجب تعاقد بين الشارع صاحب الدعوة إلى القومية السورية الاجتماعية وبين المقبلين على الدعوة، على أن يكون واضع أسس النهضة السورية القومية الاجتماعية زعيم الحزب مدى حياته. وعلى أن يكون معتنقوا دعوته ومبادئه أعضاء في الحزب يدافعون عن قضيته ويؤيدون الزعيم تأييداً مطلقاً في كل تشريعاته وأدارته الدستورية).
وقد قسم الشارع المبادئ إلى أساسية وإصلاحية ليكون القسمان (قضية واحدة هي قضية الأمة السورية، وسيادتها واستقلالها وارتقائها).
(إن الأصل، أو الدستور بالذات، والمراسيم الدستورية لم تتناول غير الشؤون الأساسية، وإيجاد المؤسسات للأغراض الإدارية الأساسية.
أما النظام أو القانون الداخلي فقد جمعت مواد كثيرة منه في الوطن، ولم يتمكن من طبعه بسبب ظروف الجهاد. ولسد هذا الفراغ جرت القاعدة باعتماد مصدرين (العرف والاجتهاد العملي) كلما خلت التعليمات أو لم يمكن الحصول عليها).
(رسالة إلى وليم بحليس- الرسائل ج2 -ص 378)
لنخلص إلى أن الدستور – هو الذي يحدد شكل الدولة ونظامها
الدولة ونشوئها
سعاده في كتابه العلمي (نشوء الأمم) درس نشوء النوع البشري، مستعرضاً النظريات الدينية والعلمية، ليخلص إلى أن تطور الإنسان
(بتغيرات بطيئة تحت تأثير البيئة المتطورة
وبعد استعراضه السلائل البشرية، التي يذهب بها إلى الرأي أن (التطور أو التنوع التطوري) هو التعليل الأرجح لحدوث السلالات)
وفي الفصل الثالث يدرس سعاده (الأرض وجغرافيتها) ليخلص إلى أن (لا بشر حيث لا أرض ولا جماعة حيث بيئة، ولا تاريخ حيث لا جماعة)
ومن (الاجتماع البشري) و (المجتمع وتطوره) ليخلص إلى أن أوجدت الأبجدية والتجارة اتجاهاً ثقافياً جديداً انتهى إلى عصر الآلة الصناعية الذي هو عصر التمدن الحديث، وهذا العصر فسح للثقافة العقلية أوسع مجال ورقى التفاعل الاجتماعي إلى درجة عالية جداً.
(86)
لنأتي إلى موضوعنا (الدولة) نشوئها وتطورها في الفصل السادس حيث يستغرق البحث أكثر من خمسين صفحة من الكتاب.
يقول سعاده: (التطور الثقافي بجميع مظاهره)، يرتقي ويسبق غيره من حيث أسباب الحياة أوفر وأرقى مما في سواه)
(ولعل الدولة أجدر الشؤون والمظاهر الثقافية تمثيلاً للحياة العقلية التي هي من خصائص الاجتماع الإنساني حتى ليمكن القول إن الثقافة الإنسانية والدولة صنوان)
(وبديهي أن الدولة شأن ثقافي بحت، لأن وظيفتها من وجهة النظر العصرية. العناية بسياسة المجتمع وترتيب علاقات أجزائه في شكل نظام يعين الحقوق والواجبات، أما بالعرف أو العادة-في الأصل- وأما بالغلبة والإستبداد.
فهي شأن من شؤون المجتمع المركب لا وجود لها إلا في المجتمع، وكذلك السياسة لا وجود لها بدون الاجتماع)
(88)
(منذ نشأت الدولة، أصبحت هي شخصية المجتمع وصورته يعظم بعظمتها، ويصغر بصغرها).
وإننا نرى
(الدولة هي التي تشكل المجتمع وتعين مداه، وتكيف شؤون حياته وتمثل شخصيته)
(105)
إن مبدأ (أن الشعب لم يوجد للدولة، بل الدولة للشعب)
هذا هو المبدأ الديمقراطي الذي تقوم عليه القومية، فالدولة هي دولة قومية حتماً)
(138)
(كل ما ورد عن نشؤ الأمم -طبعة دمشق )
عبد الوهاب بعاج

