لطالما احتاج الشكل للانسجام مع المضمون، وشكلية الدول تعبر عن مضامينها لذلك كان لابد من احترام اسم الدولة وشعاراتها وعلمها المرفوع على الصواري، وعند اعلان اقامة دوله الاحتلال عام 1948 التي تحول بموجبها قادة الحركة الصهيونية الى رجال الدولة الجديدة، قاموا باختيار العلم (الاسرائيلي) الابيض وفي داخله خطان ازرقان تتوسطه النجمة السداسية (نجمة داوود وفق زعمهم) والذي كان يعني ان ارض الدولة اليهودية هي الارض الممتدة من النهر العظيم (نهر الفرات) الى نهر النيل .ولكن اصحاب النوايا الحسنة من ابناء امتنا افترضوا ان التفسير الوارد اعلاه ليس الا مبالغة من قبل المتطرفين من ابناء امتنا وان الدولة اليهودية لا تريد الا الارض الممتدة ما بين نهر الاردن والبحر الابيض المتوسط.
لكن الحرب التي اندلعت صبيحة السابع من تشرين اول 2023 جاءت كاشفة لمجموعة من المسائل التي لا يستطيع هذا المقال تغطيتها بالكامل ولكن على راسها اولا ان هذه الدولة الطارئة بكل ما تملك من سلاح وقوة ومنعة، الا ان السلاح الاقوى الذي يساعدها هو ما زرعته في اذهاننا من انها قوة لا تقهر، وقد ثبت عكس ذلك قبل سنتين فعرف الجميع مقدار هشاشتها وتهافتها وهو ما تأكد ايضا على مدى سنتين من الحرب عندما عجزت عن هزيمة غزة الصغيرة المحاصرة فيما كانت تستطيع هزيمة جيوش ودول تملك اضعاف ما تملك دولة الاحتلال من سلاح ورجال، اما الحقيقة الاخرى التي كشفتها هذه الحرب فكانت ان العلم (الاسرائيلي) ومعانيه هو ما نقل هذه الحرب من حرب تهدف الى تحقيق اهداف اعلنتها الحكومة (الإسرائيلية) في السابق وهي القضاء التام على المقاومة وتامين سلامة مستوطنات شمال غزة واطلاق سراح من اسرتهم المقاومة، الى حرب ذات اهداف عقائدية تريد توسيع نطاق الدولة لتصبح (اسرائيل) الكبرى الممتدة من النيل الى الفرات.
وفي حين تفاءل بعض منا ممن لا يريدون رؤية الحقيقة ويعتقدون ان اعلان نيويورك الفرنسي- سعودي قبل ايام الذي اكد على حل الدولتين هو امر واعد ومبشر بالخير وان لابد من البناء عليه من اقامة الدولة الفلسطينية العتيدة على ما تبقى من ارض فلسطين، يطالعنا السفير الامريكي في تل ابيب بالقول ان العقل الامريكي في وزارة الخارجية وفي البيت الابيض على حد سواء لا يوجد به شيء اسمه دولة فلسطينية غرب نهر الاردن والتي هي حق رباني وتاريخي لليهود وان من الممكن اقامة دولة للفلسطينيين في مكان بعيدا عن فلسطين، فيما يصرح يوم امس الخميس الوزير القوي والضامن لبقاء الحكومة سمو ترتش في قوله: بعد 20 سنه من التأخير نعلن اليوم انطلاق مشروع ربط مستوطنة معاليه ادوميم بالقدس، ويزيد على ذلك بالقول ان الضفة الغربية ليست الا قطعة من دولة اسرائيل وحق لليهود بوعد من الرب، لذلك نقوم بمصادرة مساحات واسعة من الارض ونستثمر بها مليارات الدولارات لإسكان مليون مستوطن جديد في الضفة الغربية وان هذا ليس رايه الشخصي فقط وانما راي الحكومة ورئيسها بنيامين نتنياهو.
وكان نتنياهو قبل ذلك بيوم قد أعلن في مقابلة مع احدى الفضائيات انه مؤمن بفكرة اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات وأنها جزء من رؤيته التي أعلنها في بداية الحرب حول اعادة تشكيل الشرق الاوسط وضرورة تجاوز الاخطاء التي جعلت من الدولة اليهودية بهذا الحجم الصغير. في اتفاقيات سايكس- بيكو ووعد بلفور وما قررته عصبة الامم في سان ريمو
بهذا يكون الاسرائيلي صاحب الفضل في تعريف نفسه بشكل لا يقبل الجدل من قبل اصحاب النيات الحسنة الذين طالما افترضوا وأقاموا نظرياتهم عن امكانية التوصل الى صيغة عيش مع هذا المشروع المعادي، فالأرض التي يريدها نتنياهو لمشروعه المعلن بالصوت المرتفع تشمل اراضي الدول التي طبعت مع دولة الاحتلال وعقدت معها معاهدات السلام مصر اولا قيادة منظمة التحرير ثانيا والاردن ثالثا والمرشحون بالتطبيع السريع في بيروت ودمشق ابو محمد الجولاني.
لم نسمع من هؤلاء ردا على ما قال نتنياهو الا بيانات استنكار وادانات نمطية وخجولة قد يكون من أشرف على صياغة محتواها موظفي الاستعلامات في وزارات الخارجية، ولكن من تبقى من مقاومة في غزة بيدها بقايا ذخائر ومواد قتالية معظمها من الصواريخ والقذائف الإسرائيلية التي لم تنفجر وتقوم المقاومة بإعادة تدويرها لا زالت تقول لا.
ترفض الدول ذات الجيوش إدراك حقيقة ان هذا العدو لا يملك من العناصر القوة الحقيقية الا ضعفنا وتخاذلنا وهي حقيقة اثبتتها المقاومة في غزة.

