حرب تموز، الحرب على سوريا والزلزال الأخير هي محطات ثلاث نسف أبناء شعبنا فيها كل أشكال محاولة تفريقهم السياسي المصطنع. سايكس-بيكو وقانون قيصر وآلاف مليارات الدولارات التي صُرفت على حملات سياسية واعلامية لتكريس الإفتراق بين لبنان والشام نُسفت مباشرة في صباح اليوم نفسه للزلزال الذي ضرب شمال سوريا.
قبل سنوات، هناك من روّج في بيروت لما يسمّى بسياسة الحياد، لفصل لبنان عن محيطه المشرقي وعزله عن التفاعل في قضايا الأمة. بنى هؤلاء حملاتهم بناء على اعتبار أن معاناة لبنان الإقتصادية سببها فقط مواقفه من مسألة الصراع مع العدو، ونشاط حركات المقاومة داخله. وصل هذا الطرح إلى حد مناقشة عدد من المسؤولين في الكواليس مسألة وضع قوات عربية دولية على ما يسمى بالحدود اللبنانية-السورية في البقاع وعكار.
بعد أقل من ثلاث ساعات على الزلزال لم يقم أحد للحياد أي اعتبار، وكذلك للحدود. لبنان الشعبي بما فيه أحزابه الوطنية وجمعياته الأهلية وناشطين من مختلف المناطق، بدأ التحضير لقوافل المساعدات العينية التي انطلقت نحو مختلف المناطق السورية المتضررة، أكان في الساحل نحو جبلة واللاذقية وأريافها، أو نحو حلب المدينة وأريافها أيضًا.
واثر الدعوات للمساعدة، ونتيجة التماس حماسة اللبنانيين للوقوف إلى جانب أبناء شعبهم في مناطق الشام، حاول البعض الترويج لفكرة أن مساعدة المتضرّرين في مناطق الحرب هو أمر خطر يجب التراجع عنه. هذا الأمر لم يجد أذانًا صاغية لدى من عقد العزم على المساعدة، لا بل تمت مواجهة هذه المواقف والدعوات بحملات قاسية نزعت صفة الإنسانية عن أي شخص أو جهة ترفض مساعدة المنكوبين نتيجة موقف سياسي. لا بل ما كان لافتًا أكثر، هو حجم الرفض الكبير لمسألة الحصار من قبل جماهير وقواعد حزبية لأحزاب حرّض قادتها على سوريا منذ العام 2005، فانخرط هؤلاء في حملات التبرّع والمساعدة متماهين تمامًا مع انتمائهم الحقيقي، ناسفين حالات سياسية وضعية فرضت أمرًا واقعًا لفترات محدودة.
من جهة ثانية، كان لبنان الرسمي على موعد مع كسر اضافي للأداء النمطي الذي مارسته الحكومات منذ العام 2005، اذ زار وفد وزاري دمشق، متلقيًا عدد من المسؤولين على رأسهم الرئيس بشار الأسد. خطوة لبنان الرسمي قابلتها دمشق بالكثير من الايجابية متجاوزةً كل ما حصل في الفترة الماضية، وبناءً عليه أتى اللقاء مع الرئيس الأسد والذي لم يكن محضّرًا بشكل مسبق، حيث تبلّغ الوفد باستقبال الرئيس له بعد وصوله إلى دمشق.
على صعيد متّصل، ينفي مصدر وزاري لبناني أن يكون رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قد بادر من تلقاء نفسه لإرسال الوفد الوزاري إلى دمشق، حيث تشير المعلومات أن إلحاح وزير الأشغال العامة علي حمية على فتح المطارات والموانئ أمام أي مساعدات محتمل قدومها لسوريا، مدعومًا بمرجعيته السياسية وحلفائها، كان وراء رضوخ ميقاتي في بادئ الأمر. كما يكشف المصدر أن ميقاتي ولدى ازدياد الضغوطات عليه مع ساعات الصباح الأولى التي تلت الزلزال، تواصل هاتفيًا مع جهة رسمية أميركية طالبًا الإذن لإرسال وفد وزاري إلى دمشق. ورغم أن هذا الأمر يُعد هامشيًا أمام كل ما حصل، يأتي ذكره من باب وضعه بسياقه الصحيح ووضع النقاط على الحروف لقطع الطريق على أي استثمار سياسي لاحق لما يحصل اليوم.
ماهر الدنا