عن ضرورة رفع الضغط الاقتصادي عن طلاب المدارس

عن ضرورة رفع الضغط الاقتصادي عن طلاب المدارس

يزداد الوضع الاقتصادي في لبنان سوءًا يومًا بعد يوم، فسعر صرف الدولار مستمر بالارتفاع يرافقه ارتفاع بأسعار البضائع على مختلف أنواعها، ممّا ينعكس بشكل واضح على مختلف شرائح المجتمع، خاصّة أصحاب الدخل المحدود.
الوضع التربوي لا يختلف كثيرًا عن الوضع الاقتصادي، فالمدارس الرسمية مقفلة منذ بداية العام بسبب إضراب الأساتذة الذين لا يحصلون على أدنى حقوقهم، ورواتبهم لا تكفيهم للتنقل من وإلى أماكن عملهم، والمدارس الخاصة منقسمة بين تلك التي أمّنت لأساتذتها رواتب “محترمة” وتلك التي أرضتهم بأدنى الممكن للاستمرار.
في ظل كل هذه المعاناة لا يمكن اعتبار أنّ تلامذة المدارس الخاصة هم من أبناء الطبقات “المرتاحة” ماديًا، فالكثير من العائلات حرمت نفسها من جميع الكماليّات وبعض الأساسيّات، لتأمين التعليم لأبنائها.
الاختلاف بين العائلات ينعكس بشكل واضح على الأولاد حتى ضمن المدرسة الواحدة، بين من أهلهم يتمتعون بالقدرة على تأمين جميع مستلزمات أبنائهم وأكثر، وبين من يصارع والداهم لتأمين قسط العام الدراسي ومتطلبات المدارس، ويظهر هذا الاختلاف على ما يحمله الأبناء معهم إلى المدارس من طعام ودفاتر وقرطاسية وملابس وغيرها…
هنا يأتي دور الإدارات والمعلمين لامتصاص هذه الفوارق والحدّ منها كي لا يتأثر الأولاد سلبًا على الصعيد النفسي أوّلًا. فقد اعتادت المدارس على فرض شروط معيّنة على مظهر الأولاد وحتى نوعية القرطاسية التي يحملها التلامذة معهم. هذه القيود من الضروري إزالتها في هذه الفترة، وإن كان الالتزام بالزي المدرسي ضرورة فيجب على الإدارات غض النظر عن بعض الشواذات لدى أبناء العائلات الميسورة، والقبول بالممكن والمتوفّر.
كما يمكن للمدارس التخفيف من الأنشطة التي تطلّب مصاريف إضافيّة، وتعويضها بأخرى لا تكلّف العائلات ماديًّا، والتخفيف من الشروط المفروضة على نوعيّة الدفاتر والاقلام وغيرها، والقبول بالكتب المستعملة، والتخفيف من الفروض التي تتطلب اللجوء للتكنولوجيا والانترنت وغيرها.
ولكن الأهم هو تضمين حصص التربية المدنية، ساعات تنشئة وتوعية حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، وتوعية التلامذة على عدم الاكتراث للمظاهر، وتعليمهم المشاركة، ومساعدة زملائهم الذين تمر عائلاتهم بوضع صعب، مع تعليمهم أنّ قبول المساعدة لا يمثّل أي عار، وأنّ الشعور بالفوقيّة أمر مرفوض تمامًا في هذه الظروف الصعبة.
كما يجب على المدارس توعية تلامذتها وأساتذتها أنّ الهدف الأوّل والأسمى لها هو التعلّم والتربية لتنشئة جيل يدرك تمامًا أنّ الماديات مكانها في أدنى سلّم الأولويّات وأنّ المطلوب في هذه الظروف الصعبة التي يمرّ بها وطننا والمنطقة بشكل عام مساعدة الآخر بروح المحبّة لا الشفقة، وأنّ الأولويّة اليوم هي للتكاتف والتضامن معًا من أجل الخروج سويًّا من هذه الأزمة، ولتنشئة جيل واعٍ قادر على تخطي الصعاب وعدم تكريرار أخطاء الماضي. فأبناء اليوم هم جيل المستقبل المطالب ببناء وطن والاتيان بمسؤولين قادرين على النهوض بلبنان من جديد.

ريتا الصياح