في فجر الثامن من تموز عام 1949، دوى صوت الرصاص، ليس ليُسكت رجلاً، بل ليوقظ أمة. في ذلك الفجر الدموي، ارتقى الزعيم أنطون سعاده شهيدًا، بعد محاكمة صورية ومحاكمة سياسية لا تمت للعدالة بصلة. كان المطلوب رأسه، لأن في فكره مشروع أمة، وفي كلمته نهضة، وفي خطابه تحريض على الحياة في زمن الموت.
سعاده لم يكن مجرد مفكر أو خطيب أو زعيم حزب، بل كان ثورة عقل وروح في وجه الظلامية والتجزئة والاستعمار. أسس الحزب السوري القومي الاجتماعي عام 1932، واضعًا مبادئه الخمسة التي قامت على تحرير الأرض والإنسان، وعلى رفض الطائفية، وتحقيق الوحدة القومية والعدالة الاجتماعية.
لقد آمن أن الأمة السورية ليست حدودًا مرسومة على الورق، بل كيان حي تشكله الجغرافيا مع التاريخ والثقافة والوجدان. وكان يعلم أن مشروعه لن يمر مرور الكرام في عالم تحكمه المصالح الأجنبية والأنظمة التابعة. ولهذا، لم يكن استشهاده مفاجئًا، بل كان تتويجًا لمسيرة رجلٍ قرر أن يكون الشهادة طريق الخلود.
إن ذكرى استشهاد سعاده ليست مناسبة للبكاء أو الندب، بل لحمل الشعلة. هو لم يطلب البكاء عليه، بل العمل لتحقيق ما بدأه. وهو القائل: «إن فيكم قوة لو فعلت لغيرت وجه التاريخ.» فهل سنفعل؟ هل سنكمل الطريق؟
إننا اليوم، أمام عالم عربي تزداد فيه الانقسامات، وتشتد الأزمات، ونعود فيه إلى الطوائف والقبائل بدل الأمة. فكم نحن بحاجة إلى فكر سعاده، وإلى جُرأته، وإلى مشروعه الحضاري.
الثامن من تموز ليس مجرد تاريخ، إنه جرح مفتوح في ذاكرة الأحرار، وصرخة في وجه الصمت، ورسالة تقول: «الأمة التي تنجب رجالًا كأنطون سعاده لا تموت».
فلنُجدد العهد، ولنتجاوز رمزية الذكرى إلى العمل من أجل الغاية التي استشهد لأجلها: نهضة الأمة السورية
يوسف يوسف ـ برلين