منذ حوالي 130 عاماً عقد اليهود الصهاينة مؤتمرهم التأسيسي الأول ـ أن التعبير المباشر عن المشروع وسيرورته والعقبات التي واجهها هذا المشروع الصهيوني يمكن رصدها بوضوح ـ في هذه الدراسة السريعة سنعرض للمؤتمرات وتاريخها واماكنها واهم مقرراتها ـ
بلغ عدد المؤتمرات ثلاثة وثلاثون مؤتمرا امتدت من 1897 المؤتمر الأول حتى آخر مؤتمر 1997 ـ تم تقسيمها إلى أربع مجموعات ومراحل:
الأولى ـ من 1897 إلى 1913 الثانية من 1921 إلى 1946 الثالثة من 1951 إلى 1978* الرابعة من 1982 إلى 1997.
الحلقة الاولى ـ المؤتمرات الصهيونية من 1897 ـ 1913: بلغ عددها 11 مؤتمر ـ من المؤتمر الأول إلى المؤتمر الحادي عشر ـ
1*المؤتمر الصهيوني الأول
عُقد في بال في أغسطس 1897 برئاسة تيودور هرتزل
حدد في خطاب الافتتاح أن هدف المؤتمر هو وضع حجر الأساس لوطن قومي لليهود، وأكد أن المسألة اليهودية لا يمكن حلها من خلال التوطين البطيء أو التسلل بدون مفاوضات سياسية أو ضمانات دولية أو اعتراف قانوني بالمشروع الاستيطاني من قبَل الدول الكبرى.
وقد حدد المؤتمر ثلاثة أساليب مترابطة لتحقيق الهدف الصهيوني، وهي: استيطان فلسطين بالعمال الزراعيين، وتقوية وتنمية الوعي القومي اليهودي والثقافة اليهودية، ثم أخيراً اتخاذ إجراءات تمهيدية للحصول على الموافقة الدولية على تنفيذ المشروع الصهيوني ـ وتعرَّض المؤتمر بالدراسة لأوضاع اليهود الذين كانوا قد شرعوا في الهجرة الاستيطانية التسللية إلى فلسطين منذ 1882.
واقترح شابيرا إنشاء صندوق لشراء الأرض الفلسطينية لتحقيق الاستيطان اليهودي، وهو الاقتراح الذي تجسَّد بعدئذ فيما يُسمَّى الصندوق القومي اليهودي.
تم وضع مسودة البرنامج الصهيوني ببرنامج بازل ـ ·
كما ارتفعت الدعوة إلى إحياء اللغة العبرية وتكثيف دراستها بين اليهود والمستوطنين
وكانت اللغة المستخدمة في المؤتمر هي الألمانية واليديشية.
من أهم نتائجه إقامة المنظمة الصهيونية العالمية لتنفيذ البرنامج الصهيوني الذي ينص على أن “الهدف الصهيوني هو إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين يضمنه القانون العام”
أن هدف الصهيونية هو إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين بالوسائل التالية:
1 ـ تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين
2 ـ تنظيم اليهود وربطهم بالحركة الصهيونية
3 ـ اتخاذ السبل والتدابير للحصول على تأييد دول العالم للهدف الصهيوني (إعطاءه شرعية دولية)
4 ـ تشكيل المنظمة الصهيونية العالمية بقيادة تيودور هرتزل
5 ـ تشكيل الجهاز التنفيذي «الوكالة اليهودية» لتنفيذ قرارات المؤتمر؛ ومهمتها جمع الأموال في صندوق قومي لشراء الأراضي وإرسال مهاجرين يهود لإقامة مستعمرات في فلسطين.
2 ـ المؤتمر الصهيوني الثاني:
ـ عقد في بازل في أغسطس 1898 برئاسة هرتزل.
ـ ركَّز على ضرورة تنمية النزعة الصهيونية لدى اليهود.
ـ كانت أهم أساليب القيادة الصهيونية لمواجهة هذه المعارضة، هو التركيز على ظاهرة معاداة اليهود.
ـ وقدم تقريراً أمام المؤتمر عن مسألة دريفوس باعتبارها نموذجاً لظاهرة كراهية اليهود وتعرُّضهم الدائم للاضطهاد حتى في أوربا الغربية.
ـ لجأت قيادة المؤتمر إلى تنمية روح التعصب الجماعي والتضامن مع المستوطنين اليهود في فلسطين بالمبالغة في تصوير سوء أحوالهم.
ـ تم انتخاب لجنة خاصة للإشراف على تأسيس مصرف يهودي لتمويل مشاريع الاستيطان الصهيوني في فلسطين.
3 ـ المؤتمر الثالث:
ـ عقد فى بازل فى أغسطس 1899، برئاسة تيودور هرتزل أيضا.
ـ عرض هرتزل تقريراً عن نتائج اتصالاته مع القيصر الألماني في إستنبول وفلسطين وهي الاتصالات التي عرض فيها هرتزل خدمات الحركة الصهيونية الاقتصادية والسياسية على الإمبريالية الألمانية الصاعدة في ذلك الوقت مقابل أن يتبنى الإمبراطور المشروع الصهيوني.
ـ وطالب المؤتمر بتأسيس المصرف اليهودي تحت اسم «صندوق الائتمان اليهودي للاستعمار»، وذلك لتمويل الأنشطة الاستيطانية الصهيونية وتوفير الدعم المالي للحركة الصهيونية.
ـ ناقش المؤتمر قضية النشاط الثقافي اليهودي في العالم.
ـ تناول المؤتمر مسألة إعادة بناء الجهاز الإداري الدائم للحركة الصهيونية ليحل محلها الجهاز المؤقت.
4 ـ المؤتمر الرابع:
ـ عقد فى لندن فى أغسطس من عام 1900، برئاسة هرتزل مرة أخرى
ـ وجرى اختيار العاصمة البريطانية مقراً لانعقاد المؤتمر نظراً لإدراك قادة الحركة الصهيونية في ذلك الوقت تعاظُم مصالح بريطانيا في المنطقة، ومن ثم فقد استهدفوا الحصول على تأييد بريطانيا لأهداف الصهيونية، وتعريف الرأي العام البريطاني بأهداف حركتهم.
ـ وبالفعل، طُرحت مسألة بث الدعاية الصهيونية كإحدى المسائل الأساسية في جدول أعمال المؤتمر.
ـ وشهد هذا المؤتمر ـ الذي حضره ما يزيد على 400 مندوب، اشتداد حدة النزاع بين التيارات الدينية والتيارات العلمانية، وذلك عندما طُرحت المسائل الثقافية والروحية للمناقشة، إذ طالب بعض الحاخامات بألا تتعرض المنظمة الصهيونية للخوض في القضايا الدينية والثقافية اليهودية، وأن تقصر عملها على النشاط السياسي وخدمة الاستيطان اليهودي في فلسطين ـ وإزاء ذلك، دعا هرتزل الجميع إلى نبذ الخلافات جانباً والتركيز على الأهداف المشتركة.
ـ وخلال المؤتمر، تم وَضْع مخطط المشروع المتعلق بإنشاء الصندوق القومي اليهودي.
5 ـ المؤتمر الخامس:
ـ عقد فى بازل فى ديسمبر 1901برئاسة هرتزل.
ـ قدَّم تقريراً عن مقابلته مع السلطان العثماني عبد الحميد الثاني ومحاولاته إقناعه بالسماح بموجات هجرة يهودية واسعة إلى فلسطين التي كانت وقتئذ إحدى ولايات الإمبراطورية العثمانية، وذلك مقابل اشتراك الخبرات اليهودية في تنظيم مالية الإمبراطورية العثمانية التي كانت تعاني ضائقة مالية آخذة في التفاقم.
ـ وقد وافق المؤتمر على الاقتراح الذي تقدَّم به جوهان كريم ينكس لتأسيس «الصندوق القومي اليهودي» بوصفه مصرفاً للشعب اليهودي يمكن استخدامه على نطاق واسع لشراء الأراضي في فلسطين وسوريا.
6 ـ المؤتمر السادس:
ـ عقد في بازل في أغسطس 1903 برئاسة هرتزل للمرة الأخيرة ـ قد كان آخر المؤتمرات الصهيونية التي حضرها
ـ ركز هرتزل في خطابه الافتتاحي، كالعادة، على تقديم تقرير إجمالي عن مباحثاته مع السياسي البريطاني جوزيف تشم برلين بشأن مشروع الاستيطان اليهودي في شبه جزيرة سيناء.
ـ وكان هرتزل قد ألمح لبريطانيا بهذا المشروع كوسيلة لمواجهة الثورة الشعبية المصرية التي رآها هو وشيكة الحدوث، وهو ما يستدعي وجود كيان سياسي حليف لبريطانيا على حدود مصر الشرقية ـ إلا أن بريطانيا لم تقبل هذه الفكرة وعرضت مشروعاً للاستيطان اليهودي في أوغندا عرف باسم «مشروع شرق أفريقيا».
ـ وقد نصح هرتزل المؤتمر بقبول هذا العرض، إلا أنه ووُجه بمعارضة من أطلقوا على أنفسهم اسم «صهاينة صهيون» بزعامة مناحيم أوس يشكين رئيس اللجنة الروسية والذين رفضوا القبول ببديل لاستيطان اليهود في فلسطين
ـ وقد نجح هرتزل رغم ذلك في الحصول على موافقة أغلبية المؤتمر على اقتراحاته وهو ما حدا بالمعارضين إلى الانسحاب من المؤتمر.
ـ تقرَّر إيفاد لجنة للمنطقة المقترحة للاستيطان اليهودي للاطلاع على أحوالها ودراسة مدى ملاءمتها لهذا الغرض ـ كما تقرَّر إنشاء «الشركة البريطانية الفلسطينية» في يافا لتعمل كفرع لـ «صندوق الائتمان اليهودي للاستعمار».
ـ شهد هذا المؤتمر نمواً عددياً ملحوظاً في أعضائه إذ حضره 570 عضواً يمثلون 1572 جمعية صهيونية في أنحاء العالم.
7 ـ المؤتمر السابع:
ـ عقد فى بازل فى أغسطس 1905.
ـ انتقلت رئاسة المؤتمر إلى ماكس نورده بعد وفاة هرتزل.
ـ · وكانت القضية الأساسية التي طُرحت للنقاش هي مسألة الاستيطان اليهودي خارج فلسطين، وخصوصاً في شرق أفريقيا.
· وجاء تقرير اللجنة التي أُوفدت إلى هناك ليفيد بعدم صلاحية المنطقة لهجرة يهودية واسعة.
ـ بعض أعضاء المؤتمر دافع عن ضرورة قبول العرض البريطاني بدون أن تفقد الحركة أطماعها في فلسطين، وسُمِّي أنصار هذا الرأي الذي عبَّر عنه زانجويل باسم «الصهاينة الإقليميون».
ـ من المُلاحَظ أن غياب هرتزل، واعتراض المستوطنين البريطانيين في شرق أفريقيا على توطين أجانب في إحدى المستعمرات البريطانية، وكذا اعتراض اليهود المندمجين على المشروع، رجَّح إلى حدٍّ بعيد وجهة النظر الرافضة للاستيطان اليهودي خارج فلسطين الأمر الذي جعل أغلبية المؤتمر تُصوِّت ضد هذا المشروع ـ وهو ما أدَّى إلى انسحاب الإقليميين وتأسيسهم المنظمة الإقليمية العالمية.
ـ واستمرت الأغلبية في تأكيد ضرورة الاستيطان في فلسطين.
ـ واكتسب أنصار الصهيونية العملية (الاستيطانية) قوة جديدة من هذا الموقف فتضمنت قرارات المؤتمر أهمية البدء بالاستيطان الزراعي واسع النطاق في فلسطين عن طريق شراء الأراضي من العرب وبناء اقتصاد مستقل لليشوف الاستيطاني داخل فلسطين.
· وهو أمر يكتسب أهمية خاصة في تاريخ الحركة الصهيونية على ضوء حقيقة أنه جاء عقب بداية وصول موجة الهجرة اليهودية الثانية (1904) إلى فلسطين، وهي الهجرة التي وضعت الأُسس الحقيقية للاستيطان الصهيوني وأسهمت إلى حدٍّ كبير بالاشتراك مع الهجرة الثالثة في تحديد معالمه، وامتد تأثيرهما معاً إلى فلسفة وأبنية الكيان الإسرائيلي عقب تأسيس الدولة.
8 ـ المؤتمر الثامن:
ـ عقد في لاهاي في أغسطس 1907، برئاسة ماكس نورده.
ـ وتركزت المناقشات فيه على برامج الاستيطان وإنشاء المستعمرات الزراعية في فلسطين.
ـ لما كانت المنظمة الصهيونية تفتقر إلى مركز في فلسطين للإشراف على الأنشطة الاستيطانية فقد قرر المؤتمر تأسيس «مكتب فلسطين» ليتولى شراء الأراضي ومساعدة المهاجرين اليهود ودعم الاستيطان الزراعي.
ـ كما وافق المؤتمر على تأسيس شركة لشراء واستثمار الأراضي وهي التي سُجلت ـ فيما بعد ـ في بريطانيا باسم «شركة تنمية الأراضي في فلسطين».
9 ـ المؤتمر التاسع:
ـ عقد في هامبورج في ديسمبر 1909، برئاسة كل من مناحيم أوس يشكين وحاييم وايزمان وناحوم سو كولوف.
ـ وهو أول مؤتمر يُعقَد في ألمانيا.
ـ وقد أولى اهتماماً واضحاً لبحث النتائج المترتبة على الثورة التركية بالنسبة لمشاريع الاستيطان اليهودي في فلسطين.
ـ شهد المؤتمر زيادة ثقل الصهاينة العمليين ورغبتهم في ابتلاع فلسطين دون انتظار توافر الظروف السياسية الدولية المناسبة.
· ولهذا، قرر المؤتمر إنشاء مستوطنات تعاونية مثل الكيبوتس والموشاف.
10 ـ المؤتمر العاشر:
ـ عقد في بازل في أغسطس 1911، برئاسة مناحيم أوس يشكين
ـ اتضح فيه تماماً أن المؤتمرات الصهيونية إطار يتسع لوجود الاتجاهات والتيارات الصهيونية كافة برغم ما يبدو عليها ظاهرياً من تناقضات.
ـ · أكد فيه المؤتمر أن المسألة اليهودية لا يمكن أن تحل إلا بالهجرة إلى فلسطين، وأن المهمة الملحة للمنظمة الصهيونية العالمية هي تشجيع وتنظيم الهجرة إلى فلسطين، فقد نوقشت أيضاً مسألة إحياء وتدعيم الثقافة العبرية.
11 ـ المؤتمر الحادي عشر:
ـ عقد في فيينا في سبتمبر 1913، برئاسة ديفيد ولفسون.
ـ وهو آخر المؤتمرات الصهيونية قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى.
ـ وقد تمت فيه الموافقة بشكل مبدئي على إنشاء جامعة عبرية في القدس، وجاء ذلك تأكيداً لنفوذ وايزمان المتزايد حيث كان هو وأوس يشكين وبوبر من أبرز دعاة المشروع.
ـ أعلن المؤتمر تشجيعه للجهود الرامية لشراء وتنمية الأراضي في فلسطين.
ـ أصدر المؤتمر قراراً يتناول الهجرة اليهودية إلى فلسطين كواجب والتزام صهيوني على كل من يملك القدرة المادية على خلق مصالح اقتصادية ملموسة في فلسطين.
وأشار القرار إلى أن كل يهودي يجب عليه أن يضع مسألة الاستيطان في فلسطين كجزء من برنامج حياته وسعيه لتحقيق مثاليته وكماله الخلقي.
الحلقة القادمة: المرحلة الثانية: 1921- 1946.