إنه جرح سورية «الأمة» الكبير، يتنقل بين فلسطين والعراق ولبنان والشام (تبقى الاردن الجسد الراقد في العناية الفائقة يتنفس الذل والخنوع).
بالأمس كانت سورية الكيان البعثي ومن ثم الساحل واليوم السويداء الاباء.
كانت سورية لأنها ورغم كل زلات نظامها، ورغم جراح المؤامرات ضدها، ظلت القلعة أو الظهير الثابت في الصراع الكبير مع درة الامبريالية المزروعة في قلب أمتنا والشرق.
كانت سورية والنظام الهدف، وهلل من هلل لسقوطها حتى من كانت ملجأهم وسندهم مباشرة أو غير مباشرة.
أسقطت الدولة او النظام لكن لماذا يحرق الساحل ويذبح ويهجر أهله طالما أن النظام سقط؟ ويقال باتفاق أو بدونه. الم يكن المقصود إحلال نظام عادل بدل البعث الطائفي الفاسد المرتشي….. كما كثرت التوصيفات وبعضها صحيح.
إذا شئنا تفهم الدوافع والاسباب بأن الجراح نتاج خسارة من قتلهم النظام ونكل بهم،
وان ما حصل كان متوقعا، والقصد إزالة البعث ونظام الاسد وأحراق الارض التي هم منها.
جاء البدء بالتصويب على السويداء بعد أن عجزوا عن إخضاع المنطقة الخاضعة لحكم قسد في الشمال والجزيرة وفهمنا أنها كانت مقتلا« للنظام السابق بخسارة الموارد النفطية والخيرات الزراعية وانتاج تلك المناطق ومواردها. وربما لبعد نظر القائد المحنك الجولاني وببصيرته يعرف أهميتها لانطلاق عجلة حكمه وديمومته. لكن مشغله الاميركي اقفل عليه الطريق لأسباب عديدة وأهمها إبقاءه وادارته جياع ورهن الاوامر والاملاءات وأهمها الطاعة والهرولة نحو التطبيع مع أنه لم يمانع أصلا »، بانطلاقة الفتاوى من كل حدب وصوب مهللة للإبراهيمية الخبيثة، وخطب الجوامع المتوددة لأخوة الدين في اليهودية.
السويداء على صفيح ساخن!!! ما الذنب؟؟ ما هي الخطيئة التي ارتكبتها؟
بالعودة الى الحرب على سورية ودخول الغرب بجحافله الداعشية الاخوانية وهيئاته وجماعاته من أفراد وجنسيات، إذا تمكنت من إخفاء هوياتها غير الدينية فإن أمرها أفتضح وظهرت أشكالها المرعبة في صمتها الجاهل الاجابة على أسئلة رجال السويداء الذين أوقعوها في الاسر، منهم الشيشانية والاوزبكية والطاجكية والايغورية والمغاربية أتت «لنصرة» إخوتها في الداعشية ضد إخوتهم من أبناء الأرض التي جبلوا سوية من ترابها.
اظهرت أيام الغزوة مدى هشاشة الانتماء الوطني وهذه بديهية معروفة لكن لا بد من الاشارة لها لجلاء أسبابها، والوقوف على بعض ابعادها ونتائجها:
1 ـ من جهة الإدارة (السورية) الجديدة ومشتقاتها تبين أنها ليست سورية إلا في جزء منها بالولادة فقط دون الانتماء الذي يغلب عليه الطابع الديني المذهبي كاعتبار وحيد، لا يرى في المكونات الأخرى إلا جماعات خارجة على الله ويجب إخضاعها فقط، إنما القضاء عليها كليا»(نداءات المساجد والهتافات) وفي ذلك فقط ممكن إرضاء الله وكأنهم يقرؤون في كتاب اليهود (التوراة وملحقاته). وأسباب ذلك نابعة من قراءة يهودية في حقيقة الرسالة المحمدية… (تحتاج أبحاث ومجلدات)
2ـ السويداء: يصعب اختزال الموقف مما حدث بقليل الكلام وذلك لتشعبه وعدم لحظويته كما يظهر للبعض. فأزمة السويداء ليست بنت الامس وترجع في أساسها الى بداية الهجوم على سورية العام 2011 وفي العلاقة مع نظام البعث السابق. وهل كانت خطوة العصيان والتمرد عن الالتحاق بالجيش الشامي في حربه ضد مشروع تفتيت سورية صائبة؟ وهل قرأ أبناء الجبل الاشم وخاصة الدروز في السويداء والجوار تلك الحرب بأنها ضد نظام البعث أو الاسد؟ ما هي الابعاد التي قرأوا فيها تلك الهجمة؟ وهل كانوا يعتقدوا انهم سيبقون بمنأى عن آثارها؟ أو انهم ظنوا أن بإمكانهم الدفاع عن أنفسهم بمفردهم (ألم يقرأ أحدهم قصة الثيران الثلاثة للأمام علي؟) أم أنهم اعتبروا أن اي اعتداء عليهم هو اعتداء على الطائفة وسيكون كل الدروز وخاصة دروز فلسطين الى جانبهم (لا شك بدروز لبنان)؟ وهؤلاء لديهم من القوة كنواة اساسية لجيش العدو وخاصة لواء جولاني (نخبة جنود العدو التي حاربت وتحارب لاحتلال لبنان والاراضي الفلسطينية المتبقية في غزة والضفة؟؟؟).
بالرجوع قليلاً في التاريخ فإن أبطال وقادة التحرير والاستقلال الشامي منذ الانتداب هم نخب أبناء الجبل (جبل العرب) من العظيم سلطان باشا الاطرش الذي غلب الشعور القومي الوطني على ما عداه وتعالى على جراحات وعنعنات الداخل، التي كانت لتمنعه من امتشاق سيف الاستقلال لو وقف عندها. أختار مصلحة الوطن العليا وكذلك البطل صالح العلي وابراهيم هنانو الى جانب الكثير من الاحرار … هل كان موقف قيادات الجبل والسويداء تحديدا» بحجم هذا الموقف من الهجوم على سورية؟ أم أن حسابات ضيقة وعدم إدراك عواقب سقوط الدولة أدى الى ذلك الموقف الاني الذي تجلت تبعاته على ارض السويداء اليوم؟ هل الموقف من أحداث الساحل كان بحجم الحدث؟ ام ظن قادة الرأي انهم بمنأى عنها أيضاً؟
الاعتداء والمجازر التي حصلت في السويداء دلت على أن ورقة التوت التي كان يتستر بها الجولاني واتباعه قد سقطت وتعرت الاهداف وطبيعة الهيئات الحاكمة في الادارة الجديدة. بالمقابل اتضح أن نظام البعث لم يستطيع بناء مواطن لأن قمع الحريات السياسية لا يصنع مواطنا ولا يؤسس لولاء للحاكم. وأي فرصة أمام الشعب أو أي فئة سواء في ولائها الديني أو الاثني ولأنها لم تبن مواطناً فأنها في العموم ستتعلق بالأجنبي مهما كان حاقداً وظالماً ومستغلاً فإنها مع الإنكار ستتعلق به وتنفذ أجندته على أن الانجاز من انتاجها.
مع التقدير لتضحيات ووحدة ابناء السويداء الابطال في وجه هذا المخطط الاميركي اليهودي الجولاني بخلفيته العصبوية الدينية، فإن هذه الحركة لم ترق الى نبل قيادة سلطان الاطرش ورفاقه الابطال، والتي ما كانت لتنجح لولا انها مخطط لها من قبل الثالوث الشيطاني السابق الذكر للإيقاع بهم بين نار الارتماء في أحضان العدو الاكبر أو بين جحيم الجولانيين. وذلك بالإيحاء أن الشيخ الهاجري هو الآمر الناهي في توجيه سلاح الجو العبري الذي اختار أهدافه بعناية وسير المعركة كما خطط وضرب من يريد هو والجولاني التخلص منهم ووضع اهلنا في السويداء تحت رحمته وسيطر بالنار والتخويف على المنطقة التي تصل مشروعه نحو نيوم.
وإذا كانت المجازر التي ارتكبت بحق اهالي محافظة السويداء لم يتضح مرتكبوها لكثرة الفصائل المسلحة فذلك يسقط شرعية الجولاني، وإذا كان من وقعوا بالأسر تحت مسمى قوات الفصل أو الامن العام التي أرسلها «الرئيس» وشاركت بالمجازر وهي من جنسيات اجنبية فهذا اسوأ.
في حين حكي عن مجازر ارتكبها الدروز بحق ابناء العشائر، وإذا ادعينا براءة ابناء المحافظة من روح الانتقام فلا يبق ضمن خانة الاتهام الا العدو ذاته أو مندسين من أو بين جماعة الهاجري لتعميق الفتنة بين العشائر والدروز وتغذية روح الثأر بينهم وهذا جوهر مخططات العدو.
من هنا فإن ما حصل في السويداء لا ينفصل عما حصل في سورية والساحل ويصب في خانة المخطط والمصلحة اليهودية وما أعطاء الاحداث الطابع المذهبي إلا سمة أساسية من سمات نجاح مشروع المذاهب، والتي أظهرت من ناحية هشاشة البيئات التي ينزلون بها ولبنان نموذج، أمام جماعة من هنا واخرى من هناك تنادت لعصبية نصرة ابناء طائفتها دون إعطاء أي أهمية لحدود أو دولة ومؤسسات أو لأخوة في «وطن».
والى أن تسود المواطنة: تصبحون على وطن