حين أطلق القائد العام للثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش عبارته تلك، لم تكن أصلا القضية المذهبية هي التحدي الأكبر الذي تواجهه أمتنا، فقد كانت المواجهة الكبرى هي مع المستعمر الفرنسي بعد أن قام قبل ذاك الاحتلال العثماني لبلادنا.
لكن استشرافه للخطر المحدق بالمجتمع أولا وهو الخطر الطائفي، جعله يرفع هذا الشعار، ليس للمقاومة في وجه الاحتلال الفرنسي فحسب، بل لخراب سيجده واصلا إلى قريته وبيته بعد مئة عام من هذا التحذير على يد مجموعات تكفيرية طائفية حاقدة لا تعرف معنى الوطن اصلا.
وفي تلاق كبير مع ما قاله انطون سعادة في خطابه إثر زيارته للكورة عام 1937 وتحذيره بين الخطاب الظاهر للكثيرين بقلوب تعشعش فيها العنعنات الطائفية، فنكون أمام تحدي الاستقلال الذي سقيناه بدمائنا ولا زال يستسقي عروقنا من جديد.
هنا فإن الاستقلال الحقيقي لا يمكن أن يتم او يتحقق بدون استقلال العقل من المفاسد الطائفية.
لقد شكل الدخول الهمجي للفصائل التكفيرية إلى السويداء والاعتداء على صورة الرمز الوطني الكبير سلطان باشا الأطرش أكبر تحد أمامنا جميعآ لمعرفة أن استقلال الوطن لا يمكن إنجازه دون بناء المجتمع الواحد، و هذا السؤال لا يسئل فقط لمرتكب الفعل الاثم لأنه جاهل ومجرم أكيد، لكنه سؤال برسم جميع النخب السياسية و الفكرية والثقافية في مجتمعنا، فكم وجدنا الكثيرين ومنذ عقود وهم يعيشون بيننا وتعشعش في قلوبهم العنعنات الطائفية، إن كان في رفض زواج ابنتهم ممن ينتمي إلى طائفة أخرى، او اختصار الصحبة والاستطباب عند أبناء ذات الطائفة، او ما كان يمارس من علمانية ظاهرية كاذبة تخفي عنعنات طائفية في توزيع المناصب الحكومية و الاقتصادية وحتى الأعمال التجارية و البنكية و منذ عقود لم تخلو في مجتمعنا من البعد الطائفي.
ها نحن نبكي على وطن أضعناه بالتغافل ونوسم المجرم الذي تعدى على تمثال ابي العلاء المعري او نصب الشهداء في حلب وابي فراس الحمداني ، بأنه تكفيري وطائفي، لكننا لم نحاسب أنفسنا كفاية حين كنا قادرين ونعلم مدى وجود العنعنات الطائفية في كل تصرف نجده امامنا عبر مئة عام او قرن، أتى فيها القائد الكبير سلطان باشا الأطرش وقال كلمته الأيقونة بأن الدين لله والوطن للجميع، كما حذر سعادة من خفايا الطائفية في كل تفصيل ومشهد، ثم نستغرب حين تشتعل النار في غاباتنا بعد أن طاولت كل قلوبنا؟ وهل مئة عام من دعوات الكبار غير كافية لنا نحن كأحزاب ونخب فكرية واجتماعية لنعلم أن علينا تطبيق ما أتى به الكبار بالفعل والعمل لا بالأقوال والتغني بالشعارات؟
ان هذه المناسبة وبعد مرور قرن على إطلاق القائد العام للثورة السورية الكبرى لحرب الاستقلال، يجب أن تكون موجهة لنا نحن قبل غيرنا لنعلم كيف يجب أن نوجه المئة عام المقبلة، فهل نستكين للمخططات التي يفعلها بنا الاخرون، ام نتخلى عن الفردية والأنانية وفكرة الخلاص الذاتي ونبدأ العمل فورا، حتى لو كنا بإعداد قليلة، لكن بيدنا أن ندل مجتمعنا على قرن اضاعه في التلهي بمعايير زائفة للاستقلال وعليه أن يعمل الفكر ليجد طريقه الحقيقي الذي يزيل عن شعبنا كل هذا الويل.
طارق الأحمد