الأرض والإنسان في عزلة ولا أمل في اكتشاف عوالم أخرى!

يبدو أن العلوم والاكتشافات الجديدة، بدل أن تجد الحلول لمشاكل الناس، تصعّب عليهم حياتهم وتبشّرهم بالكوارث وارتفاع الحرارة على الأرض وبذلك تتقلص الموارد ويصعب على البشر الاستمرار في الحياة… هذا بالإضافة إلى طبيعة الإنسان المتوحشة وحروب الأمم التي لا تنتهي، لا بل تزداد عنفا وتوحشاً وحرقاً للبيئة والبشر على حدّ سواء.

منذ بداية التاريخ والإنسان يسعى إلى اكتشاف أراض جديدة طمعاً بالخيرات وبحياة أفضل باحثاً عن مغامرات وكنوز مدفونة هنا وهناك في كل القارات وفي أصغر جزيرة في المحيط، وذلك لطبيعة في داخله، هي مزيج من حب المغامرة والطمع والرغبة في الاستحواذ، وايضاً إلى جانب هذه الطبيعة تأتي الرغبة والفضول والشغف والميل لاستكشاف المجهول لذلك قام المستكشفون الأوروبيون برحلات شرقا وغربا، وقام كولومبس برحلته الشهيرة واكتشف العالم الجديد، (ويا ليته لم يفعل، كما يقول الرائع محمد الماغوط فهو بذلك اقترف جريمة لا غفران لها) فتبدّل تاريخ العالم، غداة هذا الاكتشاف، على جميع الصعد وتبدّلت مفاهيم البشرية وحروبها وصراعاتها وايديولوجياتها، وتبدلت الخارطة الجيوسياسية في العالم منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا ! ولكن حصل ما حصل فلا نستطيع العودة بالزمن والعبث به أو إعادة ترتيب أحداث العالم فما حصل قد حصل وكفى!

هذا كان في الماضي من 500 عام، أمّا اليوم فكلّ شيء تغيّر ووضع البشريّة ذاهب نحو الأسوأ، إذ صارت الحياة على كلّ شبر من أرضنا لا تطاق أبداً، هذه الأرض التي ليس لنا مأوى سواها والتي يجب أن نحافظ عليها بكل قوانا وأرواحنا، نواصل العبث بها ونؤذي بيئتنا ولا تنفك الحروب تستعر من دون انقطاع في كل نواحي الأرض.

لكلّ هذه الأسباب التي ذكرت وغيرها، بدأت الأفكار تتجه نحو الفضاء الخارجي وسلّطت عين البشر على ذلك البعد الجديد، وبدأ أقطاب المال والثروات في العالم من أمثال جيف بيزوس وايلون ماسك يروّجون لرحلات إلى الفضاء الخارجي تهدف إلى استكشاف الكواكب التي من الممكن أن تكون مؤهّلة في تكوينها وغلافها الجوي لاستقبال الإنسان في المستقبل، ولكن هذا الحلم ليس بعيداً عن التنفيذ فحسب، بل هو من سابع المستحيلات، لماذا؟ هنالك أسباب عديدة سنوجزها تباعاً:

 اعتبر العالم الفذّ الراحل ستيفن هوكينج أن الحضارة الإنسانية غير قادرة على الاستمرار في حياتها على كوكب الأرض لأنّه إذا استمرّ الإنسان في استهلاك موارد الأرض بعنف واستهتار، لن يستطيع أن يصمد عليها أكثر من 1000 سنة خاصة مع ازدياد التلوّث والاحتباس الحراري، وعليه أن يجد كواكبا أخرى تصلح للعيش عليها ولكنّه يضيف من ناحية أخرى أن محاولة التواصل أو البحث عن حضارات أخرى في الفضاء الخارجي هي محاولة خطرة للغاية خشية أن تكون هذه الحضارات، حضارات عدائيّة وتقوم بردّات فعل غير مستحبّة كغزو الأرض والاعتداء على البشر بصورة فظيعة وافناء الجنس البشري عن بكرة أبيه !

 حديث ستيفن هوكينج يصيبنا باليأس ويغرقنا في الوجوم الشديد فلا الأرض ستبقى صالحة للعيش عليها ولا مجال أن ننفذ إلى عوالم أخرى هربا من المشاكل البيئيّة والتصحّر والحروب والكوارث وكذلك استحالة العيش على الأرض والاستمرار في استنساخ البشرية إلى أجل غير معلوم.

 هذا ليس كل شيء، إذ أثبتت اكتشافات حديثة أن الأرض وحيدة ومعزولة، وهي بعيدة كثيرا عن مجموعات شمسيّة ومجرّات يمكن أن تكون صالحة ليسكنها الإنسان.

 فوفقا لعلماء الفلك قد يكون كوكب الأرض محاصرا داخل فراغ كوني هائل، أي أن أرضنا هي فعلا في حالة عزلة شديدة، فقد أفاد باحثون من جامعة بورتسماوث أن احتمال عزلة الأرض هو أمر واقع من خلال دراسة قد تسهم في تفسير أحد أعظم ألغاز علم الفلك الحديث وهو( توتر هابل) هذا الاكتشاف قد يحلّ جدلا كبيرا في العلم الحديث، فبحسب فريق من علماء الفلك من جامعة بورتسماوث الإنجليزية فان كوكبنا ومجرتنا درب التبّانة بأكملها يسبحان داخل فراغ كوني هائل يمتدّ على مسافة مليار سنة ضوئية وقد طرحت هذه النظرية في الدراسة التي نشرت في يونيو/ حزيران 2025 ونقلها موقع Science Focus، حيث اعتبرت على أنها حلّ واعد لتفسير( توتر هابل) وهو احد أكبر ألغاز علم الفلك الحديث، فما هو (توتر هابل) إذا:  إنه بكلّ بساطة نوع من تباين في قياسات توسّع الكون. كما يشرح موقع الرقميات Les Numériques، أن هذا اللغز يتعلق بسرعة توسّع الكون وتحديدا الفرق بين القياسات المختلفة لمعدل هذا التوسّع بحسب ما إذا كانت هذه القياسات تجرى في مناطق بعيدة أو قريبة من الكون وبشكل ملموس.

 لاحظ العلماء الذين درسوا هذه المسألة خلال العقود الأخيرة أنه عند قياسهم لمعدل التوسّع من خلال مراقبة الكون البعيد تكون القيمة أقلّ بحوالي 10% من القيمة التي يحصلون عليها عند فحص الجزء المحلي من الكون المحيط بنا وقد تبيّن أن الكون يتوسع بنسبة 10% أسرع في محيطنا القريب وهذا يعني أن الكون ينمو بنسبة 10% أسرع في منطقتنا القريبة مقارنة بأجزائه البعيدة، وحتى الآن لم يكن هناك تفسير واضح لهذا التفاوت لكن هذه الظاهرة قد تكون نتيجة مباشرة لموقع غير عادي لمجرّتنا في طبوغرافية الكون.

يعتبر الدكتور «اندرانيل بانيك» أحد المؤلفين في الدراسة المذكورة أن واحدا من الحلول المحتملة لهذا التناقض هو أن مجرّتنا تقع بالقرب من مركز فراغ محلي هائل فالكون كما هو معلوم ليس متجانسا بل تنتشر فيه مناطق فراغ تعرف باسم الفراغات المحلية وهي أحيانا شاسعة، وتؤثر بجاذبيتها على البيئة المحيطة بها وكما يلخص موقع Science Focus، أن المناطق المحيطة بالفراغ تحتوي على كثافة أعلى من المجرّات وجاذبيتها تدفع ببطء المجرات الموجودة داخل الفراغ نحو الأطراف مما يؤدّي إلى تفريغ المنطقة تدريجيا مع مرور الزمن وبحسب الدراسة التي أجراها علماء الفلك في جامعة بورتسماوث فإننا قد نكون في مركز هذا الفراغ الكوني، حيث يتمّ دفعنا ببطء ولكن بثبات نحو خارج المنطقة ويرى الباحثون أن هذه الحركة المستمرّة هي المسؤولة مباشرة عن فرق القياس المرتبط ب (توتر هابل).

 بالمختصر وبحسب حسابات العلماء فإننا نعيش وسط منطقة فراغية يبلغ عرضها حوالي مليار سنة ضوئيّة وكل ذلك يشير إلى أننا نعيش في فراغ وبالتعبير البسيط بعيدا عن قياسات العلماء وحساباتهم المعقّدة: نحن نعيش في نقطة منعزلة جدا من هذا الكون مثل الذي يسكن في جزيرة نائية بعيدة جدا وسط المحيط وتبعد عن اليابسة المأهولة مئات آلاف الكيلومترات بمقاييس الأرض التي نعرفها، وهكذا يصبح من المستحيل أن ننفذ إلى مكان آخر من هذا الكون.

فعلا لقد زوّدوها على البشرية والبشرية أيضاً عاجزة عن المحافظة على الأرض وهي قارب نجاتنا الوحيد بسبب الجهل فالجاهل كما يقول عالم الاجتماع توكفيل هو الذي يقطع الشجرة المثمرة لتقع أرضا ويتمكن من التقاط ثمارها، ولكنه يكون بذلك قد خسرها بينما الانسان المتمدن والذكي يحافظ عليها ويعامل تربتها ويشحلها ليأكل منها سنة بعد سنة فيا شعوب الأرض تعقلوا وتمدّنوا.