الهوية السورية مهددة وجودياً

في ظل عالمٍ مضطرب، باتت الشعوب تترقب بقلق حركة الأحداث التي تصنعها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها في مختلف أرجاء الأرض. وبينما تسعى الأمم إلى تمتين قدراتها وتشكيل إجماع داخلي يحمي مصالحها، تغرق أمتنا السورية في مزيد من التفتت والتبعية للمستعمر.

منذ الاحتلال العثماني، والشعب السوري مهدد في وجوده، يتخبط في أزمة هوية قومية حقيقية، فاقدً الوعي لمصالحه، منقسمً بين أديان ومذاهب وإثنيات. ورث هذا الانقسام من عصور الانحلال والاحتلال، حين أمسك الفرنسيون والبريطانيون بقراره القومي، وثقافته، وزرعوا مشاريع تقسيم لا تزال آثارها ماثلة حتى اليوم. ولَم يقف في وجه هذه التحديات سوى قلّة وطنية قاومت لكنها سُحقت بتحالف المحتل مع الاقطاع المذهبي والمالي والهويات الطائفية المصطنعة.

ولم يكتفِ الاحتلال بزرع الانقسام الداخلي، بل دعم وجود جماعات يهودية متوحشة على الأرض السورية في فلسطين، تستند إلى عقائد توراتية وهمية ومتخيلة، وتعمل على تنفيذ ما تسميه «وعد يهوه» بالسيطرة على الأرض من الفرات إلى النيل. منذ أكثر من سبعة عقود، يُستهدف الشعب السوري، لا في فلسطين وحدها، بل في جميع الكيانات السورية الأخرى، من خلال آلة القتل اليهودية، منفردة أو بالشراكة مع حلفائها في الغرب.

المفارقة المؤلمة أن هذا العدو لا يخفي أهدافه، بل يعلنها بوضوح: السيطرة على المنطقة، وإلغاء الوجود السوري. ومع ذلك، يبقى الداخل السوري ممزقاً بين جماعات مذهبية ومصالح مالية وسياسية متشابكة، عاجزة عن بلورة مشروع قومي جامع.

في مواجهة هذا التهديد الوجودي، ولدت المقاومة القومية. قوى صغيرة بحجمها، عظيمة بإيمانها، نهضت دفاعاً عن شرف الأمة وكرامة الشعب. منذ مطلع القرن الماضي، قدمت هذه المقاومة آلاف الشهداء، مدافعة عن حرية الامة السورية وسيادتها. غير أن هذه المقاومة لم تكن بمنأى عن الاستهداف، بل طُوّقت من أنظمة مذهبية تتحكم بالشعب باسم الطائفة والمذهب، وتستقوي بالخارج لضرب أي مشروع مقاوم.

اللافت أن هذه الأنظمة نفسها تقرّ بعداوة المشروع اليهودي، لكنها في الواقع تتماهى معه، عبر التبعية لقرارات دولية صاغها المستعمر، أو من خلال سعيها لإنهاء الروح القومية والمقاوِمة التي تمثلها فصائل المقاومة الشعبية في فلسطين ولبنان، والعراق والشام والاردن.

نحن أمام مشهد مأساوي: العدو واضح، والموقف منه محسوم عقائدياً، لكن الانقسام الداخلي يمنع أي رد موحّد. تُقدَّم الهوية السورية قرباناً على مذبح الطائفية، وتُشوَّه المقاومة باعتبارها خروجاً عن «النظام» أو «الواقع».

إن الواجب يفرض علينا أن نسمي الأمور بأسمائها. الصمت عن خيانة الحق القومي تحت ذريعة «عدم الاتهام» لم يعد مقبولاً. آن الأوان لتسمية المضلّلين والتابعين لهذه الطغم الحاكمة بما يليق بحقيقة دورهم.

إلى أبناء الشعب السوري: كفى جهلاً وتشرذماً وكفى انسياقا خلف سلطة محكومة من الاجنبي. آن أوان الوعي. تمسّكوا بهويتكم السورية، فهي جوهر وجودكم وكرامتكم. تخلّصوا من مشاريع التفرقة، واستعيدوا روحكم المقاومة، فهي وحدها الكفيلة بحفظ الوطن وضمان استمرار مستقبل أجيالكم.