كان لدى أهل بيروت من حوالي قرن مضى، مقولة تجري على كل لسان وهي:
« الحق على الطليان» تقال حينما تتعقد الأمور، ويصبح من المستحيل اجتراح معجزات والتوصل إلى حلول خاصة في المسائل السياسية والحروب والأزمات الاقتصادية المستعصية.
تعود هذه المقولة الى اليوم الذي قصف فيه، الأسطول الإيطالي بيروت العثمانية في 24 فبراير/شباط 1912، خلال الحرب العثمانية الإيطالية، احتجاجًا على دعم العثمانيين للمقاومة الليبية ضد الغزو الإيطالي. أدت هذه الحادثة إلى تدمير جزء كبير من القلعة البحرية والبرج الكشاف وسور بيروت ومباني المرفأ، وسقوط العديد من الضحايا الأبرياء. وقيل أيضا أن القنابل أصابت مبنى المصرف المركزي العثماني بدليل أن الحروب دائما تستهدف المصارف أو بيت المال، حيث تتكدس الأموال والذهب وكل ثروة الدولة.
مضت الايام وبدأت حرب لبنان الأهلية في سبعينات القرن الماضي، وتبدلت مقولة الحق على الطليان وصار هناك مقولات جديدة تحتاج إلى معاجم وقواميس لتصنيفها ومنها مقولة، تناولها اللبنانيون بسخرية و جديّة على حدّ سواء ، تلك التي كانت تجري على لسان عجوز أرمني لبناني لطيف جداً وهو من أبناء ضيعتنا وسجل نفوسه من سجلاتها ، كان يحلو له أن يتكلم في السياسة و يمارس نوعا من الخطابة ، مردداً دائما : هيدا بكرا الأمريكان بحلّوها بابا ، فحلّت مقولة [الأمريكان بحلوها] محلّ مقولة: الحق على الطليان ، ولكن عندما كانت تتأزم الأمور، خاصة عندما قصفت البارجة نيو جرسي المدن والقرى اللبنانية و صارت تلك الأحداث الدامية في الثمانينات لم يوفر العم ها غوب شتيمة وانتقادات بحق الأمريكان إلا وقالها :
هيدا أميركا ما بتعرف شو في براسو، بدو يخربها على راسنا …
نصف قرن قضاها لبنان في حرب بدت في الشكل حربا أهلية ثم صارت مثل بركان يغلي من الداخل وتنفجر من جوفه الحمم وتسيل من كل جهة جارفة البشر والحجر في كل حين، والخير لقدام، والناس زاد قهرهم وعذابهم وهم يواصلون حياة الذل تلك على بساطتهم وبؤسهم، يعيشون على الانتظار والترقب وانتظار الحلول من الخارج ومن الدول العظمى غير أنها لا تأتي! و(بكرا أميركا بتحللها) وشعبنا بات أكثر فأكثر يشبه روبنسون كروزو الذي تحطمت سفينته في البحر ونجا من الغرق فسكن جزيرة نائية، وأمضى قرابة عقدين ونصف يرقب خط الافق فوق البحر، علّ سفينة تظهر في الأفق وتنقذه من محنته تلك!
هذه السنة هي الذكرى العشرين على انتاج فيلم المخرج ستيفن سبيلبيرج حروب العوالم La Guerre Des Mondes وهو فيلم من الخيال العلمي يصور لنا احتلال الأرض من قبل غزاة الفضاء الذين يقتحمون المدن الكبيرة في الولايات المتحدة ويقومون بقصف الحواضر وقتل الناس وتشريدهم والفيلم هو اقتباس عن رواية هربرت جورج ويلز وسبق أن نقلت هذه الرواية إلى الشاشة الفضية في فيلم للمخرج بايرون هاسكن في خمسينات القرن الماضي.
أفلام الخيال العلمي تهدف دائماً الى تحويل الخيال إلى مشهدية سينمائية هوليودية بامتياز وكأن هنالك دافع خفي لنشر الفزع والرعب والإثارة في قلوب سكان الأرض وفي ذلك أيضا رسالة خفية أنه ما من حلول على الأرض بين الأمم والبشر سوى انتظار مستمر لغزاة الفضاء الخارجي حتى يبدأ هجوم ساحق على الأرض ويعملون على إفنائها وإفناء البشر عليها. نعم هذه رسالة العالم المتحضر للشعوب المقهورة ضحية الحروب والإبادة: انتظروا الحلّ من الفضاء الخارجي!
نقف الآن موقف المتأمل أمام هذه الإنسانية التي طوت العصور لكي تبني الحضارة المتقدمة، ولكن في النهاية نشعر أن ثمة طفل صغير يقود زمام هذه الدول، و قد سئم منها وأخذ يحرقها ويهدمها، طفل صغير نزق، ملّ لعبته فأخذ يحطّمها طامعا بأنه سوف يحصل على لعبة جديدة!
هذه الأرض هي كل ما نملك فإذا فنيت هل هناك أمل بالعثور على أرض شبيهة نلجأ إليها؟ !.