ماذا يجري في الساحل السوري…ما هي شركة «اكتفاء» وما علاقتها بكل تلك الجرائم…

الساحل السوري ـ وقائع ايام دامية

المجازر الممنهجة: قراءة في دور القوى الأمنية السورية الجديدة وأهدافها الخفية

في السنوات الأخيرة، برزت تقارير متزايدة تتهم بعض التشكيلات الأمنية السورية الجديدة، المنضوية تحت مظلة وزارة الدفاع، بارتكاب مجازر ممنهجة بحق المدنيين، لا سيما في المناطق ذات التنوع الطائفي والعرقي ـ هذه القوات، التي يُشار إليها أحيانًا بأنها تشكل أدوات جديدة ضمن هيكل النظام، توصف من قبل بعض المراقبين بأنها أشبه بـ «مرتزقة الناتو» أو «أذرع إسرائيل المتخفية بلباس إسلامي»، نظراً لتقاطع أدوارها مع مصالح إقليمية ودولية مثيرة للجدل.

المجازر وأهدافها

إن المجازر التي نُفّذت، خصوصاً في المناطق الداخلية والريفية، لم تكن عشوائية أو آنية، بل تحمل طابعاً استراتيجياً واضحاً يهدف إلى:

1 ـ التطهير العرقي: وهو ما يُفسَّر كتمهيد لتغيير ديموغرافي كبير على الأرض، يهدف إلى خلق واقع جديد يخدم مصالح قوى خارجية.

2 ـ السيطرة على الساحل السوري: الساحل لطالما كان نقطة استراتيجية حيوية، ومن المعتقد أن هناك سعياً للسيطرة عليه بالكامل، كمرحلة أولى ضمن خطة أوسع.

3 ـ الاستحواذ على ثروات الطاقة: يُعتقد أن الثروات الطبيعية، وخاصة النفط والغاز الموجودة في البر والبحر السوري، هي الهدف النهائي، وأن المجازر ما هي إلا وسيلة لإعادة رسم خريطة النفوذ بما يسمح بالتحكم الكامل بهذه الموارد.

البعد الإقليمي والدولي

ما يثير القلق أكثر هو تداخل أدوار هذه التشكيلات الأمنية مع أجندات إقليمية، منها مصالح قوى غربية وخليجية، فضلاً عن إسرائيل، التي لطالما سعت لتفتيت أي بنية مركزية قد تهدد أمنها الاستراتيجي ـ ويرى بعض المحللين أن تغلغل هذه القوى عبر واجهات دينية أو طائفية هو أحد أخطر الأساليب لتقويض المجتمع السوري من الداخل دون تدخل عسكري مباشر.

شركة «اكتفاء» في سوريا: ذراع اقتصادية بوجه أمني

في ظل تحولات جيوسياسية واقتصادية متسارعة تعصف بسوريا، ظهر على الساحة كيان جديد يُدعى شركة «اكتفاء»، أُعلن عن تأسيسه مطلع عام 2025 تحت إشراف وزارة الدفاع السورية ـ وبالرغم من الأهداف المُعلنة ذات الطابع التنموي والاقتصادي، يرى مراقبون أن «اكتفاء» ليست مجرد شركة خدمات أو إنتاج، بل مشروع استراتيجي يخدم مصالح أمنية وعسكرية، ويُشكّل حلقة جديدة في سلسلة عسكرة الاقتصاد السوري.

التأسيس والخلفية

تأسست شركة «اكتفاء» بمرسوم رسمي قيل إنه يأتي في إطار تعزيز الاكتفاء الذاتي في مجالات الغذاء والصناعة والخدمات ـ ومع شح الموارد، وانهيار مؤسسات الدولة التقليدية، ظهرت الحاجة ـ بحسب الخطاب الرسمي ـ إلى شركات «فعالة» تعمل مباشرة مع الوزارات السيادية، خصوصًا وزارة الدفاع.

لكن خلف هذا الخطاب، تشير مصادر وتقارير محلية ودولية إلى أن «اكتفاء» تعمل فعليًا كغطاء اقتصادي لجهات أمنية نافذة، تسعى لإحكام قبضتها على مفاصل الاقتصاد السوري.

الأهداف المُعلنة

وفقًا للبيانات الرسمية، تهدف «اكتفاء» إلى:

إنتاج وتوزيع السلع الغذائية والمواد الأساسية بأسعار «مدعومة».

والمساهمة في مشاريع إعادة الإعمار في المناطق التي «استعادها الجيش».

وإقامة شراكات مع شركات صديقة بهدف تطوير قطاعات الأمن الغذائي والدوائي والنقل.

الأهداف غير المعلنة

1 ـ عسكرة الاقتصاد:

 حيث تنشئ الدولة واجهات اقتصادية لتمكين أذرعها الأمنية.

2 ـ ضبط الموارد والثروات المحلية:

يُعتقد أن للشركة دورًا خفيًا في إدارة شبكات تهريب وتخزين تشمل القمح، الوقود، وحتى النفط والغاز، خاصة في المناطق الساحلية والشرقية.

3 ـ دمج المرتزقة السابقين في مؤسسات رسمية:

يُشير مراقبون إلى أن «اكتفاء» تُستخدم أيضًا كوسيلة لـ «إعادة تدوير» العناصر المسلحة، من خلال إدماجهم في منظومة اقتصادية توفر لهم الشرعية والتمويل.

4 ـ توسيع النفوذ التركي/الاميركي/الخليجي

من خلال السيطرة على العقود والمشاريع، تُسهم الشركة في تثبيت الحضور التركي والاميركي والخليجي اقتصاديًا في سوريا، بعد أن أصبح الحضور العسكري أمرًا واقعًا.

التبعات والقلق المحلي والدولي

يثير وجود «اكتفاء» أسئلة حساسة تتعلق بـ:

الشفافية: لا توجد معلومات واضحة عن هيكلية الشركة، تمويلها، أو شركائها.

الاحتكار: دخولها في قطاعات أساسية قد يؤدي إلى خنق السوق واحتكار المواد الأساسية من قبل جهات أمنية.

تبييض الأموال: يُخشى من استخدام «اكتفاء» لتبييض الأموال الناتجة عن التهريب أو الأنشطة العسكرية.

شرعنة الميليشيات: توظيف عناصر عسكرية سابقة تحت عباءة اقتصادية قد يشرعن وجود الميليشيات كأطراف «مدنية».

خلاصة

تُجسّد شركة «اكتفاء» نموذجًا جديدًا من الشركات التي تنشأ في ظل الأنظمة العسكرية الهشة، لتكون أداة اقتصادية بوجه تنموي ظاهر، وأمني عميق ـ وإذا ما استمرت في التمدد دون رقابة أو شفافية، فقد تتحوّل إلى عامل إضافي في إدامة الصراع الاقتصادي والاجتماعي داخل سوريا، بدلًا من أن تكون رافعة حقيقية للتعافي.

د ـ نبيلة غصن