شرعية المقاومة في مواجهة زيف المتشدقين بالسيادة

يشهد الكيان اللبناني صخبًا إعلاميًا وسياسيًا بالغًا، يصل حدّ الاشتباك السياسي الحاد، ما يُنذر بعواقب وخيمة لا تُحمد عقباها.

تقود هذا الحراك قوى أجنبية تمتلك أذرعًا سياسية وغير سياسية في الداخل اللبناني، تتقدّمها الولايات المتحدة الأميركية، مدعومة بمعظم دول حلف شمال الأطلسي، وبعض الحلفاء من العالم العربي. هذه القوى تسعى جاهدة لفرض هيمنتها على منطقة الشرق الأوسط من خلال أدواتها الغاشمة، وتستعين بجيش الاحتلال اليهودي لتنفيذ أهدافها وأهداف المشروع اليهودي، الذي يرمي إلى احتلال كامل للوطن السوري.

عند تحليل الخطاب الذي تروّجه الأحزاب والقوى المتحالفة مع هذا المشروع الاستعماري، نجد أن الشعار الأساسي المرفوع هو «السيادة والاستقلال وبسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية».

لكن هذا الشعار يُستخدم غطاءً للدعوة إلى حلّ أحزاب المقاومة وتسليم السلاح والاستسلام للعدو اليهودي المحتل، بذريعة «الواقعية السياسي» و«عدم القدرة على المواجهة».

وتتناسى هذه القوى أن أحزاب المقاومة هي التي حرّرت الأرض، وأجبرت العدو، على مدى سنوات طويلة، على وقف توسعه في الأراضي اللبنانية.

فكيف ننساق وراء التضليل الإعلامي اليهودي والأمريكاني، ومن يردده في الإعلام المحلي كالببغاء، من دون تمحيص أو وعي، متبنّين بذلك خطاب العدو اليهودي المحتل والمستعمر الاطلسي؟

إن الواجب الوطني يقتضي أن يطرح كل مواطن على نفسه سؤالًا جوهريًا:

هل فعلاً تُقوّض أحزاب المقاومة مبدأ السيادة اللبنانية أو تهدّد سلامة الدولة؟

للإجابة، علينا أن نناقش مرتكزات السيادة كما تُعرّف عالميًا:

 ـ . المرتكز الاول: السلطة الكاملة داخل الإقليم.

السيادة تعني ممارسة الدولة سلطتها على كامل أراضيها وشعبها، من دون منازع داخلي أو خارجي.

فهل تسيطر المقاومة على السلطة أو تنازع الدولة؟

الجواب: لا. المقاومة لا تتدخل في عمل الدولة أو مؤسساتها، ولا تنتزع سلطتها.

في المقابل، نجد أن الاحتلال اليهودي ينازع الدولة اللبنانية على الأرض والمياه والموارد الطبيعية، بينما تتدخل القوى الغربية في موارد لبنان وثرواته.

المرتكز الثاني: الاستقلال في القرار السياسي.

أي قدرة الدولة على اتخاذ قراراتها بحرية، دون تدخل خارجي، سواء في تشكيل الحكومات أو التشريع.

المقاومة لا تتدخل في هذا السياق، بل تمارس عملها ضمن الأطر السياسية والديمقراطية المرعية في لبنان.

بينما نجد أن الولايات المتحدة ودول الغرب وحلفاءهم العرب يتدخلون مباشرة في تسمية الرؤساء والوزراء، ويضعون «فيتوهات» على القوانين والمراسيم، سواء مباشرة أو عبر أدواتهم المحليين.

 المرتكز الثالث: الاعتراف الدولي ، وممارسة الدولة حقوقها القانونية على الساحة الدولية.

لا تُعيق المقاومة اعتراف الدول بلبنان، ولا تمنعه من ممارسة حقوقه في المحافل الدولية.

بالعكس، فإن الولايات المتحدة والكيان اليهودي الزائل هم من يمنعون لبنان ممارسة حقوقه الدولية ومن استثمار موارده، ويمارسون الحصار الاقتصادي عليه، حتى وصل الأمر إلى منع استجرار الكهرباء من دولة شقيقة او إعادة إعمار ما هدمه العدو اليهودي.

 . المرتكز الرابع: وحدة الأراضي.

مبدأ دولي يمنع اقتطاع أي جزء من أراضي الدولة.

المقاومة قدّمت آلاف الشهداء دفاعًا عن وحدة لبنان، بينما نجد أن بعض الجهات المتحالفة مع السياسة الأمريكانية وبعض دول الخليج دعمت قوى خارجية لاحتلال أراضٍ لبنانية، كما حصل مع الجماعات التكفيرية في جرود عرسال وغيرها علما ان هذه الجماعات خطفت وقتلت جنود من الجيش اللبناني.

في المقابل، كانت احزاب المقاومة تقاتل كتفًا إلى كتف مع الجيش اللبناني البطل دفاعًا عن السيادة والشعب في لبنان، وقاتلت قتالا اسطوريا في الجنوب اللبناني ولولا هذه المقاومة لكان كل لبنان تحت الاحتلال اليهودي.

المرتكز الخامس: الاستئثار بالقوة المشروعة.

السيادة تقتضي أن تستأثر الدولة وحدها باستخدام القوة.

المقاومة لم تستخدم القوة لفرض النظام أو لعرقلة عمل القوى الأمنية، رغم شرعيتها المستندة إلى بيانات حكومية.

وعندما طالبت بعض الأصوات الشعبية بأن تتولى المقاومة مهام حفظ الأمن بسبب ضعف القوى الشرعية بالدولة، رفضت المقاومة ذلك، مؤكدة أنها تحت سقف القانون وأكدت انها لن تمارس مهام الدولة لقناعتها ان الدولة هي الضمانة للجميع وهي وحدها المسؤولة عن امن المواطنين.

 ـ المرتكز السادس: الاستقلال الاقتصادي.

من حق الدولة التحكم بمواردها الطبيعية وبسياساتها الاقتصادية والمالية.

ان احزاب المقاومة طالما دعت إلى تنويع الخيارات الاقتصادية، وإيجاد بدائل عن الحصار الأمريكاني وقد حمت مياه الوزاني وكانت وراء الدولة في ترسيم حقول الغاز.

أما الولايات المتحدة وحلفاءها فقد فرضوا قيودًا على النقد، ومنعوا التنقيب عن النفط الغاز، وتدخلوا في المعاملات المصرفية، ومنعوا دخول السلع اللبنانية التي تنتجها سواعد العمال والفلاحين اللبنانيين إلى الأسواق العربية والاجنبية.

 ـ  المرتكز السابع: الحصانة من التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية والخارجية.

لا تتدخل احزاب المقاومة في سياسة الدولة الخارجية، وتحترم قرارات الحكومة حتى إن خالفت قناعاتها.

بينما نجد أن الولايات المتحدة تتدخل في كل صغيرة وكبيرة، من السياسات المالية إلى التعيينات، وتحرض ضد العلاقات مع الصين أو روسيا أو إيران، وتفرض عقوبات على من يخالفها.

. المرتكز الثامن: الشخصية القانونية الدولية.

السيادة تتيح للدولة التقدم بشكاوى وعقد معاهدات. ان احزاب المقاومة طالبت مرارًا برفع شكاوى ضد الاحتلال اليهودي، لكن الولايات المتحدة استخدمت «الفيتو» لحماية الكيان اليهودي الغاصب، وفرضت قوانين عقوبات حتى على مواطنين لبنانيين.

من خلال مراجعة دقيقة لمفاهيم السيادة كما تُعرّف في القانون الدولي، يتبيّن بوضوح أن أحزاب المقاومة لا تنتهك السيادة اللبنانية، ولا تفرض هيمنة على قرارات الدولة، بل تلتزم بالقانون، وتمارس دورها كأي طرف سياسي لبناني وما خرجت عن الأساليب الديمقراطية.

أما من ينتهك السيادة بحق، فهم: الولايات المتحدة الأميركية والكيان اليهودي الغاصب وأيضا بعض الدول العربية الحليفة للمشروع الأمريكاني وكذلك الأحزاب اللبنانية المرتبطة بالخارج.

هؤلاء هم من يُقوّض سيادة الدولة، وينهك اقتصادها، ويمنع تسليح جيشها، ويُبقي لبنان رهينة للضغوط والتدخلات الخارجية.

ولو كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها حريصين على السيادة اللبنانية فعلًا، لدعموا لبنان كما دعموا أوكرانيا أو الكيان اليهودي.

ونحن لا نطالبهم بالمليارات، بل نطالب فقط برفع اليد، ووقف التدخل، وعدم فرض الاستسلام على الشعب اللبناني ومساندة العدو اليهودي في حربه علينا.

ان مناقشتنا لمفهوم السيادة بعمق، يؤكد أن أحزاب المقاومة متمسكة بالسيادة الوطنية ، وترفض الهيمنة الأجنبية، دون ان نتطرق إلى شرعية المقاومة نفسها، التي تُكرّسها قرارات الأمم المتحدة، وأهمها القرار الشهير الذي يقرّ بشرعية نضال الشعوب ضد الاحتلال والاستعمار والعنصرية، وبحقها في استخدام كل الوسائل، بما فيها الكفاح المسلح.

وفي لبنان حيث الهيمنة أجنبية موثقة والاحتلال اليهودي قائم والنظام اليهودي العنصري يُبيد شعبنا في فلسطين ولبنان.

وعليه، فإن شروط المقاومة العادلة، بمفهومها الدولي والإنساني، متوفرة بالكامل، ما يمنح المقاومة شرعيتها الحقوقية والقانونية.

نحن القوميون الاجتماعيون نمارس فعل المقاومة لأننا مؤمنون بالسيادة والاستقلال ولأننا مؤمنون لا سبيل لاقتلاع العدو اليهودي إلا بالكفاح المسلح.