منذ أكثر من عشرين عاماً يعيش الأردن انهياراً سياسياً وإدارياً واقتصادياً واجتماعياً نتيجة لسياسات النظام وخياراته، التي ادت إلى احتجاجات شعبية واسعة شبه متواصلة اتسمت بضعف التنظيم والقدرة على الحشد للجماهير الشعبية التي تفتقر إلى القيادة القادرة على إلهام الجماهير وتنظيمها وإحداث التغيير الذي يريده الشعب الأردني.
الأغلبية العظمى من الشعب الأردني ترى مسؤولية النظام وخياراته السياسية والاقتصادية السبب الرئيسي في ما وصلت إليه أوضاع الأردنيين.
سياسات الخصخصة المنفلتة أودت بالاقتصاد الأردني الضعيف أصلاً، وانتهت فساداً هائلاً لم يعهده الأردن من قبل، وأودت إلى مهاوي الفقر والبطالة بالطبقة الوسطى والعمال وتجمع الثروة الهائلة بيد أقل من 1% من السكان، وتهشمت الصناعة الضعيفة، ولم تعد الدولة قادرة على توفير الأموال اللازمة لإدارة شؤون الدولة إلا بفرض كل ما تقدر عليه من ضرائب مختلفة ترهق كاهل الشعب وتوصله حد الفاقة والفقر، واللجوء إلى القروض التي قفزت خلال 20 عاماً من 9 مليارات إلى أكثر من 50 مليار دولار.
أما في السياسة فقد حصل انقلاب كامل من سياسة الاعتدال والحفاظ على علاقات عربية جيدة نسبياً، ومستوًى معقولٍ من التنسيق مع الدول العربية التي اعتاد عليها الأردن سابقاً.
انخرط النظام الأردني تماماً في المخطط الصهيوأمريكي ضد العراق وسوريا وليبيا ولبنان، وضد الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة، وضد إيران؛ ولا يزال يلعب دوراً نشطاً في كل هذه الدول إلى جانب أمريكا وإسرائيل.
تفاجأ الأردنيون بعقد اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة، وتم إقرارها بعيداً عن الأطر الدستورية المنصوص عليها دستورياً، ويجري الحديث عن اثنتي عشر قاعدة أمريكية، و20 ألف عسكري أمريكي على الأراضي الأردنية. لا ينطبق على هذه القواعد وقاطنيها أيّ من القوانين الأردنية، ولا يُسمح للسلطة الأردنيهة بمناقشة أو الاعتراض على المهام التي يمكن أن تنفذها تلك القوات في المناطق المختلفة من المنطقة العربية وإيران، ما يشكل خطراً على الأردنيين في أي جنون وإجرام أمريكي في المنطقة،
أما العلاقة مع إسرائيل، فقد انتقلت من معاهدة للسلام بين دولتين عدوتين إلى تبعية كاملة لإسرائيل وخططها في المنطقة العربية، ويجري الحديث عن قاعدة للمسيرات الإسرائيلية داخل الحدود الشمالية الشرقية الأردنية؛ وهذا يعني أننا أصبحنا شركاء في التجسس الإسرائيلي على إيران والعراق وسوريا ولبنان، وحتى في الغارات الإسرائيلية على هذه الدول.
وكذلك تتسرب أنباء عن قاعدة تنصّت راديوي إلكتروني لإسرائيل داخل مباني المخابرات الأردنية للتجسس على الدول المذكورة آنفاً.
في العلاقات الاقتصادية مع العدو الإسرائيلي جرى ربط الأردن تماماً مع إسرائيل في المياه والكهرباء، وتحلية مياه البحر والغاز والبترول وطرق السلام البرية وميناء حيفا، ويجري كذلك الربط عبر سكة الحديد، كل ذلك حسب خارطة شمعون بيريس في كتابه “شرق أوسط جديد” الذي صدر بعد تدمير العراق ومؤتمر مدريد.
كل تلك السياسات المدمرة، جعلت الأردن دولة منعزلة في محيطها العربي والإقليمي؛ حتى السعودية والخليج، الحليف الدائم والتاريخي للأردن، يمارس العزل للدور الأردني ويكمل دائرة العزلة الأردنية، ولا يطمئن للدور الأردني غير المفهوم وغير الواضح.
مشكلة الأردن مع السلطة الفلسطينية في الحصول على الحظوة الإسرائيلية، وإرغام الشعب الفلسطيني على الخضوع الكامل لإسرائيل، والقبول بالفتات الذي تقدمه له إسرائيل، لم يترك النظام الأردني حلمه بالعودة إلى النفوذ الأردني في الضفة الغربية والشعب الفلسطيني، ولا يريد أن يقتنع أن ذلك انتهى ولن يقبل به أي طرف من أطراف الصراع العربي الإسرائيلي، ولا الشعب الأردني ولا الشعب الفلسطيني، ويحتاج النظام الأردني بالوصاية الهاشمية على المقدسات والتي خسرها في حرب حزيران 1967 مع خسارته الأرض، ولن تكون الوصاية الا إلى الشعب الفلسطيني الذي سوف ينال شرف تحرير أرضه ومقدساته، وهو من سوف ينال شرف الوصاية على المقدسات.
إن النظام الأردني ملزَم بالاستماع إلى شعبه ومطالبه السياسية في نظام حرّ وديمقراطي، والالتزام بالدستور الأردني، وإلغاء التعديلات التي أدخلت، والتي حولت النظام إلى حكم مطلق يتخذ فيها شخص واحد القرار خارج الأطر الدستورية ويطلق يد الأجهزه الأمنية في ملاحقة كل صوت معارض.
مجمل سياسات النظام هذه، ستدفع الأمور إلى التأزيم الدائم وبالتأكيد إلى الانفجار الكبير.
الشعب الأردني شعب قومي بطبيعته ولا يمكن أن يقبل بأن يتم عزله عن محيطه العربي والإسلامي، ويحسن القضية الفلسطينية منذ بدايتها، ووعى الخطر الصهيوني والأطماع الصهيونية التي لم يخفيها العدو يوماً، وحتى يتمكن الأردنيون من حماية وطنهم عليهم إعادة بناء بلدهم وجيشهم واقتصادهم وإدارتهم الوطنية، والتخلص من عملاء النفوذ والفاسدين والمرتبطين بالسياسة الإسرائيلية والتوجه إلى إخوتهم العرب، ومواجهة إسرائيل وخططها في إلغاء وطنهم ودولتهم.
د.احمد فاخر