تستمر عروض «الربيع العربي» على الساحتين القومية والإقليمية، ويستمرّ معها النقاش حول جدية العروض وجدواها السياسية والاقتصادية والعسكرية. المُخرج الدولي يبدع في تركيب صورة الممثلين المختارين بعناية فائقة على خلفية «كومبارس» ليس له معرفة حقيقية أو بالحدّ الأدنى اطلاع كاف على السيناريوات المحضّرة سلفاً للحلقة الحالية من مسلسل التدمير الطويل. فالمخرج ينقلك برشاقة وسرعة بين المشهد الخليجي/ اليمني، والمشهد السوري العراقي/ الدولي، ومشهد الساحات اللبنانية الثائرة والمتثائرة، والمشهد الفلسطيني المضحك المبكي، ولقطات من مشهد الملف النووي الإيراني، ولا ينسى هذا المخرج إلصاق مشاهد تركية على خلفية انتخابات ديمقراطية تستمدّ قوتها من الحرب على الأكراد في سورية والعراق مطعّمة بالنزوح الكبير نحو أوروبا.
العقل الهوليوودي الأميركي نجح في السابق بحرف التعاطف الشعبي على مستوى العالم نحو القاتل في أفلام «الويسترن» الكاوبوي، ورزّل القتيل. ونجح في تسويق البطولات الأميركية على الألمان في الحرب العالمية الثانية. ونجح في بهرجة الجاسوسية الذكية في مقابل عدوّه الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية سابقاً.
نعم، نجح سابقاً في حرف الوقائع، فقط لأنه المنتصر، والمنتصر يكتب التاريخ كما يروق له. أما الآن فتعدّى الأمر كتابة التاريخ إلى صنع التاريخ. لم تعد استوديوات الأميركي في هوليوود بل في أي مكان يستدعي السيناريو أن يكون مسرحاً حياً. أصبح «الكومبارس» محلياً، الممثلون سياسيون وقادة عضويون في المجتمعات، مكتشفون عبر «سي أي آي»، أو مدرّبون في معاهدها. هؤلاء من أطلقت لهم ولأجلهم عشرات المحطات والوسائل الإعلامية لإبراز فنهم القيادي. الكاميرات لم تعد تلك المحمولة على الأكتاف أو المركزة في الزوايا المناسبة بل أضحت الأواكس والأقمار الاصطناعية. حتى المونتاج أصبح «فوتو شوب» فورياً في غرف العمليات السوداء.
من الصعب في مقالة كهذه، أن نعرّج على كلّ المسارح العاملة تحت الإدارة الأميركية، باعتبار أنّ لكلّ مسرح خصوصيته، أهدافاً وعاملين، موقعاً ورواداً. سابقاً كانت الأفلام العربية مطبوعة بانتصار بطل الفيلم، أو زواج البطل والبطلة في الأفلام الرومانسية. أما سيناريوات الأفلام أو المسرحيات الأميركية الحديثة فطابعها الآن وضع اليد على السلطة وثروات البلد المعني بهذا السيناريو أو ذاك. الهدف من المسرحية او الفيلم دائماً انتصار الكاوبوي وإنشاء المزارع المنتجة واستخراج الثروات الطبيعية.
طبعاً لهذه العقدة الأساس، الوصول إلى النهب، عقد ثانوية بحسب البلد، وبحسب الحاجة والطلب. تساهم حلحلة العقد الثانوية في إفساح المجال أمام حلّ العقدة الرئيسة دبلوماسياً أو عسكرياً. الأمثلة كثيرة ومتعددة: أفغانستان عبر القاعدة وطالبان، العراق عبر أسلحة الدمار الشامل، سورية عبر الحرية والديمقراطية، لبنان عبر السيادة والاستقلال، مصر وتونس عبر المطالب الاجتماعية، ليبيا إسقاط الديكتاتورية، اليمن المطالبة بالشرعية. قد لا يكون المطلب وحيداً، ربما يتداخل أكثر من مطلب في المسرح الواحد وإنما بناء على رغبة المخرج الأميركي في التنويع والتشويق.
في المسرح «الواقعي» الحالي، تغيّر لوغو «مترو غولدن ماير» من أسد يزأر إلى قبضة يد وسنبلة قمح. وهو لوغو بالطبع لا يدلّ على قوة «الثورة» وإنما على القبضة الأميركية على حياة الشعوب وأرزاقها. وتحوّل الزئير إلى صرخات متتالية «شبيحة، شبيحة» أو «سلمية، سلمية»، أو «الشعب يريد إسقاط النظام».
بعد وضع اللمسات الأخيرة على السيناريو، ترسل مفرزة سباقة لمساندة «الثورة» مؤلفة من مجموعة القناصين وخبراء المتفجرات لزيادة وتيرة التصعيد.
من المفيد إعادة التذكير بأنّ للأميركيين في الأنظمة القائمة أكثر من خط دفاعي للمحافظة على مصالحهم. قد يطيحون ببعضها لمصلحة إمساك خطوط دفاعية أخرى، و»الثورات العربية» دليل على ما آلت إليه الأمور بعد سقوط رموزها على رغم ارتباطها بالمشروع الأميركي.
هذه ليست «نظرية مؤامرة» بل مؤامرة وصلت إلى رقاب شعوبنا.
رئيس المؤتمر القومي العام وليد زيتوني