مقاطعة «إسرائيل» واحدة من أشكال المقاومة

«رب ضارة نافعة» مَثَل ينطبق في الوضع الراهن على مقاطعة العدو الصهيوني بكل أشكالها. فالعدوان «الإسرائيلي» الوحشي على قطاع غزة، ومشاهد الموت والتدمير والتهجير ساهما أكثر فأكثر في حركة مقاطعة «إسرائيل» وسحب الاستثمارات ومعاقبتهاومقاطعة سلع الاحتلال والدول الداعمة له. فالحرب على قطاع غزة فضحت ممارسات العدو وكشفت للعالم أجمع زيف ادعاءاته ووحشية إجرامه عبر وسائل الإعلام رغم سيطرته على معظمها.

بعد نجاح حركة مقاطعة «إسرائيل» BDS في توسيع حضورها في العديد من الدول الغربية وشن حملات مقاطعة هامة شملت عشرات الدول والمؤسسات، توجست دولة العدو منها واعتبرها بنيامين نتنياهو بمثابة «حملة دولية لتسويد سمعة إسرائيل». وبات «الخطر الكبير» هو الوصف الذي يتردد على ألسنة المسؤولين الإسرائيليين لدى أي حديث عن حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها. فقد حذر هؤلاء مراراً من العواقب المترتبة على استمرار نشاطات حركة المقاطعة، وأكدوا أنه «لا يوجد يمين ويسار، صقر وحمامة، في معركة مكافحة حركة المقاطعة، ويجب مواجهتها وإدارتها بالتعاون بين الحكومة الإسرائيلية والمجتمع المدني في الداخل والخارج».

في 23 شباط/ فبراير 2024، أصدر خبراء الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان بياناً يشير إلى خطورة الإبادة الجماعية التي يرتكبها النظام «الإسرائيلي» ويدعو جميع الدول إلى الوفاء بالتزاماتها القانونية من خلال الوقف «الفوري» لجميع «صادرات الأسلحة إلى إسرائيل» وفرض «عقوبات على التجارة والتمويل والسفر والتكنولوجيا والتعاون». وهي ذات المطالب التي لطالما دعت لها حركة المقاطعة (BDS) من خلال بناء دعم شعبي وجماهيري لها لسنوات عديدة. المؤسس المشارك لحركة مقاطعة «إسرائيل» «BDS» عمر البرغوثي كان ولا زال يلعب الدور الأكبر في تحريك وتنشيط هذه المطالب. فالإبادة الجماعية المستمرة التي ترتكبها «إسرائيل» مسلحة وممولة ومحمية من المساءلة من قبل الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، لم يعد بالإمكان التغطية عليها وسط الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية التي تسود العالم.

إذن لمقاطعة الكيان الصهيوني عدة أوجه وأشكال، والتركيز عليها وتحقيقها تؤتي ثمارها خصوصاً حين تكون منظمة وممنهجة وتتحرك على مستوى عالمي.

المقاطعة الفنية هي أحد أوجه المقاطعة، ولها تأثير لا يستهان به في العالم. على سبيل المثال يعتبر مهرجان South by south west الذي يقام في تكساس في الولايات المتحدة الأميركية من أكبر المهرجانات الفنية في العالم. وقد ألغيت فعالياته هذه السنة حين أقنعت BDS عشرات الفنانين بالانسحاب من المهرجان لأن شركات الأسلحة الأميركية التي تدعم «إسرائيل» في الإبادة الفلسطينية هي الراعية لهذا المهرجان. وبعد إعلان عدد ضخم من الفنانين انسحابهم، ألغى المهرجان الرعايات العسكرية له لأول مرة في تاريخه مما يدل على أن ذلك يؤثر على مئات ملايين البشر من خلال الداعمين لهؤلاء الفنانين في وسائل التواصل الاجتماعي.

وتعتبر حركة المقاطعة اليوم واحدة من أهم حركات المقاومة لدولة العدو الإسرائيلي، حيث نجحت في إلحاق خسائر اقتصادية به بلغت 31 مليار دولار خلال العام الماضي، وتسببت في خفض الاستثمارات الأجنبية في دولة الكيان الغاصب بنسبة بلغت 46 في المئة. وألحقت حركة المقاطعة من ناحية أخرى خسائر معنوية بالكيان الصهيوني وأظهرته كدولة «أبرتها يد» وتمييز عنصري.

البرغوثي أكد أن حركة المقاطعة فاقمت عزلة نظام الاحتلال «الإسرائيلي» أكاديمياً وثقافياً، وقال إن «إسرائيل» أدركت متأخرة أنها فشلت في محاولاتها الحثيثة لوقف وتيرة النمو السريع لحركة المقاطعة، رغم كل المليارات التي أنفقتها على التسويق لرؤيتها.

وبحسب حركة المقاطعة فقد أنهت العديد من البنوك وصناديق الاستثمار الأوروبية والأميركية تعاملها مع الشركات والبنوك «الإسرائيلية» العاملة في الأراضي المحتلة عام 1967. فقد قرر ثاني أكبر صندوق تقاعد هولندي في مطلع هذا العام سحب استثماراته من أكبر خمسة بنوك «إسرائيلية» بسبب تورطها في الاحتلال، وأعلن أكبر بنك في الدانمارك مقاطعة بنك «هابواليم» وهو من أكبر البنوك «الإسرائيلية»، على خلفية نشاطه في الأراضي المحتلة.

على خط آخر، لم تكن أي دولة تدعم الحظر العسكري على «إسرائيل» قبل عامين أي قبل اندلاع الحرب الصهيونية على قطاع غزة. اليوم هناك 53 دولة دعت رسمياً إلى فرض حظر عسكري على «إسرائيل».

أيضاً من نتائج حركة المقاطعة تخلي شركة «انتل» العالمية قبل وقت غير بعيد عن مشروع بقيمة 25 مليار دولار بالقرب من تل أبيب. وكذلك لم يعد خافياً على العالم المعاناة الكبيرة لشركة «ماكدونالد» المنتشرة مطاعمها عبر العالم بسبب حملة المقاطعة.

قبل عامين كان هناك جامعة واحدة فقط قطعت علاقاتها مع الجامعات «الإسرائيلية» بسبب تواطئها وهي جامعة جوهانسبرغ في جنوب أفريقيا. اليوم هناك عشرات الجامعات التي إما قطعت علاقاتها أو في طريقها لسحب استثماراتها أو قطع علاقاتها الأكاديمية مع الجامعات «الإسرائيلية». وفي المجال الثقافي هناك إنجازات عديدة للمقاطعة، إلا أن أحدثها هو انضمام سبعة آلاف ناشر وكاتب إليها. والعدد إلى تزايد على صعيد المقاطعة الثقافية ل«اسرائيل» التي تستهدف المؤسسات بشكل واضح.

ومن الأهمية بمكان ذكر أمثلة على مقاطعة «إسرائيل» حول العالم للتدليل على أهمية هذه المقاطعة ونتائجها على كيان العدو المباشرة وغير المباشرة.

-تبنى اتحاد النقابات النروجي بغالبية 240 مقابل 69 في مؤتمره السنوي قراراً بدعم المقاطعة الشاملة ل «إسرائيل».

-قامت نقابات عمال الموانئ في بلجيكا والهند وكتالونيا وفرنسا وإيطاليا واليونان وتركيا والمغرب وكاليفورنيا وجنوب افريقيا بعرقلة ومنع السفن «الإسرائيلية» أو شحنات الأسلحة المتوجهة إلى «إسرائيل».

-تواصل النقابات النرويجية بقيادة LO الذي يمثل مليون عامل، الضغط على صندوق التقاعد النرويجي الأكبر في العالم لسحب استثماراته من «إسرائيل» وأعلن الصندوق في 2024 أنه قد سحب استثماراته بالكامل التي بلغت حوالي 500 مليون دولار من السندات الحكومية «الإسرائيلية».

-في الهند ضغطت نقابات كبرى تمثل عشرات الملايين من العمال على الحكومة لإلغاء اتفاق لتصدير عمال هنود ل «إسرائيل» كبديل للعمال الفلسطينيين ودعت إلى مقاطعة المنتجات «الإسرائيلية» وعدم التعامل مع البضائع «الإسرائيلية».

-قرر تحالفIAATW  الدولي الذي يضم نقابات عمال النقل المبني على التطبيقات من أكثر من 27 دولة ويضم 100 ألف عضو مقاطعة محطات الوقود التابعة لشركة Chevron وهي شركة أمريكية متعددة الجنسيات وتنشط في أكثر من 180 دولة، تعمل في مجال الطاقة والنفط والغاز الطبيعي والتنقيب عن الهيدروكربون وإنتاجه والتكرير والتسويق والنقل وتصنيع وبيع المواد الكيميائية وتوليد الطاقة.

-في هولندا نظمت نقابة FNV التي تمثل العديد من موظفي جامعة امستردام اضراباً تاريخياً لأربعة أيام في ديسمبر 2024 طالبت خلاله بقطع العلاقات مع الجامعات والشركات «الإسرائيلية» المتواطئة.

-على وقع حملات المقاطعة الشعبية الواسعة أعلنت مجموعة «ماجد الفطيم» الشريكة الرئيسية لمجموعة «كارفور» الفرنسية في معظم الدول العربية عن إغلاق عمليات «كارفور» في كل من الأردن وسلطنة عُمان والبحرين ودول أخرى. وقد سجل صافي أرباح مجموعة كارفور الفرنسية ككل انخفاضاً بنسبة 50 في المئة في عام 2024 مقارنة بأرباحها في عام 2023.

هذا غيض من فيض تأثير مقاطعة الكيان الصهيوني بأشكاله المختلفة. وتعتبر هذه المقاطعة جزءاً من العقاب المؤثر في حياة «الإسرائيليين» وكيانهم المغتصب لفلسطين، وعاملاً في إلحاق الأضرار الشاملة به.